سمير قسيمي الكاتب الذي موَّه القارئ في لذة الحكاية وخرافيتها وتقنيات الكتابة الروائية ومتاهاتها، وخلق عالما سرديا متخيلا موازيا لعالم نعيش فيه حقا، خص " الجزائر الجديدة " بحوار صريح، معلنا فيه بصراحة أن المثقف الحق في بلادنا أبعدته السلطة عمدا لكي لا يحدث أي تغيير وأن المهرجانات التي تنظمها وزارة الثقافة مجرد الكرنفالات، وفي حديثه عن الروائية أحلام مستغانمي يرى محاورُنا أنها ظاهرة تجارية فحسب، وأن ما تكتبه ليس رواية بل خواطر، وبخصوص عمله الأخير "الحالم" يصف فيه الواقع ب" المسخ". حاورته: صباح شنيب *- نبدأ من آخر أعمالك:" الحالم" علامة الاستفهام لا تكف عن ملاحقتك.. كيف تعاملت معها في هذا النص؟. لعل هذا ما يطمح إليه أي كاتب. أقصد أن تثير كتاباته مجموعة من الأسئلة التي لا يستطيع جمعها أوطرحها إلا عبر إبداعاته. الحالم وبطريقة ما أثارت الكثير من الإشكالات، فبغض النظر عن موضوعها الرئيس فقد تناولت العديد من المسائل الأخرى، قد تبدوفي أول وهلة أنها رواية كاتب عن كتاب أورواية عن رواية، ولكنها في الحقيقة رواية عن واقع. هذا الواقع الذي في الغالب ومهما كان بهيا غارق في المتاهات الحياتية، وهي متاهات لم أجد لها من إسقاط تعبيري إلا "المسخ" الذي يتصور فيه الراوي والذي وصف به نفسه أيضا. أشعر أن الحالم رغم التواءاتها ومتاهاتها السردية وعجائبيتها وغرائبيتها، كانت تفسيرا منطقيا رغم لا منطقيته عن الواقع. وهنا لا أعني واقع الأدب بل الحياة برمتها، وفق نظرة المهمشين، لأن هؤلاء ليسوا أدنى القوم ولا "الرعاع" بحسب اللغة الرسمية، بل هم عصب هذه الحياة التي نعيشها وهم الأغلبية بلغة السياسيين. ربما فكرت بجنون ولا منطقية في كتابة هذا العمل ولكنني عالجته بكل المنطق الذي عرفته. *- ما رأي النقاد والقراء والإعلام على حد سواء في الرواية، وهل من أحكام تفتيشية أخرى؟. لحد الساعة تعرف الحالم إقبالا نقديا معتبرا، وصداها الإعلامي لا غبار عليه، فكما قرأتِ فقد تناولها بالدراسة كل من الروائي والناقد الأردني أكرم خلف عراق، ونشر الأديب السوري باسم سليمان قراءة ممتازة فيها، ووضع الدكتور ليامين بن تومي دراسة بخصوصها ألقت بالضوء على جوانب عديدة منها، وكانت قراءة الشاعر خالد بن صالح المنشورة في أخبار الأدب، قراءة متميزة دفعت بالكثير ممن قرؤوا المقال ليقرؤوا الحالم، ولعل دراسة الفيلسوف والمفكر الكبير محمد شوقي الزين، كانت واحدة من أقوى الدراسات حولها، بحيث شرحها تشريحا فنيا فلسفيا تأويليا ممتازا ومن المنتظر أن تنشر الدراسة أيضا في المجلة النقدية المرموقة "كتابات معاصرة"، رغم أن العديد من المنابر الإعلامية عربيا ومحليا قد تبنتها، كما أن هناك العديد من القراءات والدراسات النقدية ستصدر بخصوصها، لعل أقربها إلى النشر دراسة الناقد الجزائري بن ساعد قلولي، والمغربي الدكتور مصطفى شميعة الذي أرسلت له نسخة بنفسي حين طلبها، وقراءات أخرى قد تظهر في القريب العاجل. *- وأسعدك هذا الاستقبال للعمل؟ بالطبع يسعدني هذا الصدى لروايتي الأخيرة، وأجد أنه نتيجة منطقية لمسيرة رغم قصر عمرها فقد عرفت ميلاد خمس روايات احتضنتها منشورات الاختلاف، إيمانا منها أن "الحلم يستحق"... *- معروف أنك تمقت النقاد ولا تعتدُّ بهم والآن تستدل بآرائهم ؟ لكِ أن تقولي شرٌ لا بد منه.. *- وكيف نستطيع أن نؤسس مدرسة روائية في الجزائر، وهل نعول على الروائيين الشباب بعد فشل الجيل السابق ؟. عملي هوكتابة الرواية، وهوأمر آخذه على محمل الجد بحيث لا أشغل تفكيري بسواه. هذا سؤال عليك طرحه على من هم أكثر كفاءة مني .. أقصد الذين صرنا نقرأ لهم مقالات على شاكلة "كيف تكتب رواية.."، "أخلاق الكاتب"، أوحتى الذين يتحدثون عن معالم الرواية وهم لم يقرؤوا منها إلا العناوين وأسماء أصحابها. ما زلت مشدوها ممن يعتبرون أنفسهم كهنة الرواية الجديدة وهم يكتبون عن أسماء غير جزائرية في الوقت الذي تشهد فيه الرواية عندنا إصدارات مهمة على غرار "عاصفة الجن" لحشلاف، فهي رغم صغر حجمها، نقلة نوعية في تجربة هذا الروائي المهمش شخصا ونصا. أعتقد أن إضافة الماء إلى البحر لا يزيد الأخير حجما على غرار الحديث عن ربيع جابر اللبناني أوأحلام مستغانمي أوغيرهما، فإذا كان الأول ظاهرة إبداعية، فإن حصوله على البوكر وإنجازاته السابقة والتي أصفها بالرائعة يجعلنه في منأى عن التعريف به للقارئ الجزائري الذي في اعتقادي عرفه قبل تتويجه وليس بعدها، فالحديث عنه بعدها هوركوب للموجة، أما الثانية فلنعترف أنها ظاهرة تجارية فحسب. *- لكن روايات أحلام مستغانمي أصبحت مقروءة على المستوى العربي ؟. ليس ما تكتبه أحلام رواية، هي خواطر مشفوعة بالشاعرية، فباستثناء ثلاثيتها وأخص بالذكر ذاكرة الجسد لم تكتب رواية، كلها كتابات أعتذر على وصفها بالخواطر، ولا أعتقد أنها من تسعى لظهورها بمظهر الكاتب الكبير، لأن يقيني أنها حتى هي بعد فشلها في تقليد نفسها، اكتفت بوصف "الكاتبة الأكثر مبيعا"، لا يجب أن نبالغ ونصف أعمال مستغانمي بالعالمية أوحتى الرائعة، لأن في جيلنا وفي من سبق جيلنا من يتجاوزها بأشواط لا تحصى. على الإعلام الثقافي والأدبي على وجه الخصوص أن يفهم في هذا التمييز وأن يعي أن الأدبي والإعلامي شيئان مختلفان تماما. *- تنتصر عبر رواياتك للهامش، لماذا هذه الشخصيات بالذات لتجعلها بطلة؟،هل لأن المثقف في بلادنا أصبح مهمَّشا كما أسلفت فأردت الدفاع عنه روائيا ؟. ليس من هذا المنظور أنطلق في كتاباتي، ولكن لا بأس أن أثير قضية موازية ها هنا. وهوأن التهميش خيار قبل أن يكون واقعا مفروضا، لنتفكر فيما أصبح عليه الواقع الثقافي في الجزائر ونطرح السؤال التالي: "من المتسبب فيه؟ ". أنا مؤمن أن صمتنا وعمالتنا لمؤسسة غير مسؤولة، وعدم مبالاة بعضنا وعدم انخراطنا في استراتيجية واضحة لتغيير الواقع الثقافي ومن هوالمتسبب في هذا الواقع. أعرف أن جهودا كثيرة تبذل من قبل البعض لوضع معالم واضحة لسياسة ثقافية مرتجاة، على غرار الجهود التي يقوم بها الزميلان حبيبة العلوي وعمار كساب، وهي جهود جبارة بالمناسبة ولكن هل يكفي هذا؟.. لا أعتقد. *- لكن ما الذي جعل الأمور تؤول إلى هذا المآل، ثم ما مشكلتك مع الإعلام لتوجه له أصابع الاتهام وتقرنه دائما بالوضع الثقافي ؟. لا مشكلة لدي مع أحد، لكن الأمر يتعدى العلاقات الشخصية إلى سلوكات أرفضها ولطالما رفضتها. موقفي من الوضع الثقافي في الجزائر، ومن الإعلام غير المحترف، ومن الصحفيين غير الأكفاء، ومن الإقصاء مهما كانت أسبابه واضح . لقد كنت من أوائل من ثاروا وأعلنتها صراحة في بيان نشرته، عن واقع المؤسسة الثقافية في الجزائر وواقع الكُتَّاب، وأنا ضد أن تبقى وزيرة الثقافة في منصب ليست أهلا له، وأنا ضد هدر المال العام في وزارة الثقافة، وضد سياسة الكتاب التي أثرت دور نشر على حساب الكاتب والكتاب، وضد المهرجانات الثقافية التي لا يحسن وصفها إلا بالكرنفالات، وضد مبدأ "الرعاية السامية"، وضد إقصاء الكفاءات مهما كان توجهها الإيديولوجي أوانتمائها الديني، وضد تقزيز الجهد الثقافي الجزائري، وضد الكيل بمكيالين في التعامل مع الجزائري وغيره وضد وضد.... آلاف الأمراض التي تسببت فيها سياسة ثقافية منعدمة. *- قلت أن السلطة افترضت أن الثقافة ستكون أخطر ما يمكن أن تواجهه، فخلقت أدبا سلطويا لا طعم له، هذا يعني أن السياسة الثقافية المنتهجة الآن مخطط لها عن سوء نية؟. وكيف تفسرين إذن قمع وتهميش واستبعاد المثقف الحقيقي من الفعل الثقافي؟.. كيف تفسرين أن الأكثر حضورا إبداعيا هم الأقل حضورا في جميع نشاطات وبرامج الوزارة؟.. كيف تفسرين سياسة كتاب هدفها الأول والأخير ذر التراب في الأعين، وتواجد من لا علاقة له بالثقافة على رأس الوزارة.. هي خيارات سيادية، دعونا من هذا الهراء. إنني مؤمن وسأظل مؤمنا أن أخطر ما يواجهه أي نظام هو المثقف النزيه، بقاء وصمود وظهور هذا النوع من المثقفين من شأنه هدم قلاع الرمال التي تبنيها سلطة ترى ولا ترى، وتسمع من دون أن تصغي، وتسعى حتى لا تعمل شيئا.