إثراء للبحوث التاريخية، و توجيهها نحو مسائل و مواضيع لها ارتباط بالتاريخ الوطني بشكل عام و الثورة التحريرية بشكل خاص، أصدر الباحث و الدكتور الطاهر جبلي مؤلف جديد يحمل عنوان "دور القاعدة الشرقية في الثورة الجزائرية 1954-1962"، عن منشورات الأمة، و هو عبارة عن دراسة ترمي إلى توضيح الدور الشامل و الموسع الذي لعبته القاعدة الشرقية في لتحرير الجزائر. كتاب "دور القاعدة الشرقية في الثورة الجزائرية 1954-1962"، و الذي جاء في 363 صفحة من الحجم المتوسط، يعد حسب ما وصفه صاحبه من البحوث الجادة و الهادفة إلى حماية مفهوم الذاكرة الجماعية الذي تلاشى لاسيما لدى الناشئة و جيل الاستقلال، حيث أصبحت قابلة لتأثر من أي دسائس أجنبية كالكتابات التي ينشرها الفرنسيين، و التي غالبا ما تأتي في شكل مواقف و تفسيرات متناقضة في مسائل تاريخية مصيرية ذات أهمية بالغة في تاريخ الثورة الجزائرية، و من أهم ما تطرحه هذه الكتب هي محاولتها لتبرير التواجد الكولونيالي في الجزائر، وتوجه نحو إنكار شرعية القضايا الوطنية في الجزائر. كما ترمي هذه الدراسة إلى نفض الغبار على العديد من القضايا التاريخية التي لم يتطرق لها بعد الكتاب الجزائريين الذي يركزون دائما في كتاباتهم على مواضيع عامة تسير وفق أسلوب المدرسة التاريخية التي تهتم بالوقائع على حساب النقد و التحليل و لتفصيل أكثر في دور القاعدة الشرقية في الثورة الجزائرية، قسم الكاتب مؤلفه إلى خمسة فصول إلى جانب المقدمة و الخاتمة، و قد تناول المؤلف في مقدمته الحديث عن أهمية هذه الدراسة و الوقوف على خلفيات البحث في موضوع هذه الدراسة، سواء كانت الذاتية أو العلمية في آن واحد، و تعرضت في المدخل قبل الولوج في صلب هذه المحاولة إلى تناول خصوصيات منطقة سوق أهراس كإطار جغرافي لتنظيم القاعدة الشرقية السياسي العسكري، من النواحي الجغرافية و التاريخية و الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ، و كانت الغاية من وراء ذلك إزاحة الملابسات التي قد تكتنف جوانب كثيرة و قضايا عديدة مرتبطة بالبحث. أما الفصل الأول فقد وقف فيه صاحب المؤلف على ملابسات تطور الثورة في منطقة سوق أهراس خلال المرحلة الأولى (1954-1956) التي كانت منعرجا هاما في تاريخ الجزائر بصفة عامة ، كما حاول الإجابة في هذا الفصل على العديد من التساؤلات كيف تم التحضير للثورة في هذه المنطقة؟ و كيف كانت الظروف السياسية و العسكرية و تطورت إلى 1956؟ و في الفصل الثاني فقد حاول المؤلف تتبع نشأة القاعدة الشرقية في فترة (1956- 1958)، و قد خلص فيه إلى توضيح ملابسات عديدة و الإحاطة بخلفيات العلاقة التي كانت تحدد موقع القاعدة بالمحيط، كما حاول من خلاله الإجابة على العديد من التساؤلات منها ما الحيز الذي شغلته القاعدة الشرقية خلال انعقاد مؤتمر الصومام؟، و كيف تمت هيكلة القاعدة الشرقية؟ و ما أبرز تنظيماتها؟ و أي وضع رسمي أسند إليها من قبل قيادة الثورة في تونس؟ و بالنسبة للفصل الثالث فقد خصصه الدكتور الطاهر جبلي للنشاط العسكري في القاعدة الشرقية بمختلف أشكاله، كالمعارك و الهجومات و الكمائن و الاشتباكات و العمل الفدائي للوقوف على حجم الدور العسكري الذي لعبته القاعدة الشرقية في مواجهة سياسة الحصار الاستعمارية. لينتقل في الفصل الرابع إلى استعراض مجالات و أوجه النشاط الثوري للقاعدة الشرقية و حاول الإحاطة بالمسائل المتعلقة بالدعم اللوجيستيكي و بأساليبه المختلفة و الدور الاجتماعي للقاعدة الشرقية فيما ارتبط تاريخيا بمسألة اللاجئين على التخوم الجزائرية التونسية و قد كانت الغاية من التوصل إلى الإجابة عن سؤال محوري و رئيسي يتمثل فيما تحدد النشاط الثوري للقاعدة الشرقية بصورة عامة ؟ و ما طبيعة ذلك النشاط؟ و إلى أي حد تمكنت القاعدة الشرقية من أداء ذلك الدور؟ و في الفصل الخامس و الأخير تطرق المؤلف إلى موضوع علاقة القاعدة الشرقية بقيادة الثورة خلال الفترة الممتدة من سنة (1958-1962)، و ذلك من خلال مجموعة الهيئات القيادية السياسية و العسكرية التي استحدثتها الثورة تماشيا مع ظروف العمل الثوري الداخلية و الخارجية ، التي انعكست بصورة متناسبة طرديا على القاعدة الشرقية كتنظيم فرعي سياسي عسكري للثورة التحريرية أما الخاتمة فقد حاول فيها الدكتور الطاهر جبلي تلخيص أهم الملامح و الأدوار الإستراتجية المتعددة التي لعبتها القاعدة الشرقية خلال الفترة (1954-1962)، كما حاول إبراز أهم التطورات في ذلك المسار التاريخي الوجيز زمنيا و الحافل بزخم الأحداث التي لا تزال تعبر عنها سنوات الثورة التحريرية في الوجدان و الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري.