يرى الخطاط الليبي أحمد الأمين الزائدي أن الخط المغربي رغم ما يعانيه في ظل غياب الإمكانات المادية و المعنوية التي تساهم في تطوره، له حضور مميز وسط الساحة الفنية العربية و حتى الغربية، و ذلك حسبه راجع إلى خصوصياته التي جعلته يضاهي باقي الخطوط الفنية العالمية، كما تطرق محمد الأمين الزائدي في حواره مع الجزائر الجديدة إلى العديد من المسائل التي تخص هذا المجال الفني. حاورته : نسرين أحمد زواوي يقال أن الخط العربي له دلالات فنية عميقة أكثر من الخط الغربي. هل فعلا هناك دلالات نميز الخط العربي عن نظيرة الغربي؟ يحظى الخط العربي على وجه العموم والخط المغربي على وجه الخصوص بقيمة فنية عالية، ما جعل من حضوره في اللوحة الفنية أمرا واضحا وجليا، وبما أن الخط المغربي أنواعا عديدة فقد أعطى فرصة أكبر للفنان لتوظيف النوع الذي يتناسب مع عمله الفني، فاستعمال كوحدة كلاسيكية واحدة على نمط اللوحة الخطية الكلاسيكية ذات الطابع الإسلامي، واستعمل أيضا كجزء من العمل الفني في أعمال كلاسيكية أو تشكيلية، إما بطابع إسلامي أو بنمط غربي عصري، على أساس أنه دلالة فنية، إلا أن استخدام الخط المغربي في الأعمال البصرية والتشكيلية على النمط الغربي العصري واجه إشكالية تعريفيه للمنطق الجمالي في المفهوم الخطي الكلاسيكي الإسلامي وفي المفهوم الغربي للعمل الفني. ما الخصائص الجمالية والوظيفية التي يتميز بها الخط المغربي؟ للخط المغربي خصائص فنية فريدة عززت من حضوره في اللوحة الفنية، وإن كان بعض هذه الخصائص يشترك فيها مع غيره من الخطوط العربية، إلا أن تجسيده في اللوحة التشكيلية الحديثة يكاد يفوق سائر الخطوط العربية الأخرى بسبب الخصائص، من ناحية الجمال فهو يتميز بجماله الفني على باقي الخطوط الأخرى بشكل عام وعن الخطوط المشرقية بشكل خاص، وهذه الخصائص جعلت منه خطا مميزا وله أفضلية، كما نجد في بعض أنواع الخطوط المغربية تجانسا واضحا وتناغما بين حروفه، ويتضح ذلك جليا في الخط المغربي المبسوط، ولعل ذلك لسببين أولهما أن نوع القلم المستخدم في كتابة المبسوط تختلف مع القلم المستخدم في كتابة أي نص، مثلا في نمط القلم وتناسب الرقة والسماكة التي تكتب بها الحروف، ثانيا استقرا هذا النوع من الخط في مرحلة معينة من تطوره بين الصلبة والليونة وأعطت لحروفه سمة خاصة في طريقة رسمها، أما الخاصية الأخرى أن للخط المغربي نزعة تجريدية متوارثة من المرحلة الأندلسية، حيث استغل كوحدة فنية في العمارة والعملات والفنون، بالإضافة لاستخدامه في التدوين والكتابة، هذه الميزة لازالت فعالة في الأزمنة التي مر عليها الخط المغربي، باعتباره عمل فني متكامل، كما يتميز الخط المغربي بالليونة الذي تعطيه حرية أكبر في اللوحة الفنية، ففي الثلث المغربي نجد ليونة وانسيابه يفتقد إليها نظيره المشرقي، وعدم تقعيد الثلث المغربي أكسبه هذه الصفة، وما أفضى إلى تقعيد الخطوط المشرقية هو كتابتها بمقاسات عديدة على يد أجيال من الخطاطين ثم ظهر من أختار أجمل الحروف ووضع مقاييس لها مما جعلها تكون مقياسا لغيرها، كما عمل الخطاطون قبل وضع قواعد الخط تمتعوا بقدر من الحرية في كتباتهم، وإن كان البعد الوظيفي طاغيا على البعد الجمالي فيما مضى، إلا أن البعد الجمالي في راهننا اليوم أضحى ضرورة قد تقتضي إغفال مسألة إتباع القاعدة في انجازها، وهو ما يوفر فسحة كبيرة أمام الخطاطين للإبداع أكثر. رغم كل ما تحدثت عنه، يبقى للخط المشرقي وزنه، باعتبار أنه يرتكز على قاعدة صلبة مقارنة مع الخط المغربي، أليس كذلك؟ للخط المغربي أنواع متعددة، وهذه الخطوط فعلا لا تزال تفتقد إلى قاعدة صارمة كتلك التي تحظى بها الخطوط المشرقية، وإن عدّت هذه النقطة ضعف عند البعض، فمن وجهة نظر أخرى يعتبر ميزة للخطوط المغربية، فعدم تعقيدها أعطى للفنانين الخطاطين فرصة لتفرد كل واحد منهم خط مغربي خاص به الذي يحمل بصمته، وهذا لا يعني بالضرورة أن نسميه خطأ خاصا به بقدر ما يمكن أن يكون مدرسة مستقلة بعد ممارسة طويلة في هذا النمط من الخطوط، وهذه الخاصية سهّل على الكثير من الفنانين توظيف الخط المغربي في لوحاتهم حتى وإن لم يكونوا خطاطين محترفين، ولم يزد أعمالهم إلا جمالا. كثيرا ما يطرح الخط المغربي إشكالية الأصالة والحداثة في اللوحة الفنية الحديثة، هل هذا متعمد من طرف الخطاطين المغاربة أم هو من مميزات الخط المغربي؟ الخطوط المغربية كباقي الخطوط العربية تتميز ببعدين جمالي واستخدامي، ولعل المخاطب باللوحة الكلاسيكية التي تحوي نصا مفهوما ورسالة تقرأ حرفا يشترط فيه أن يكون ناطقا باللغة العربية وقادرا على قراءة النص على طريقة أهل المغرب العربي، ومن هنا برزت فكرة توظيف الحرف المغربي في أعمال يكون لها انتشارا أوسع وتستعيض عن البعد الوظيفي عن البعد الجمالي، فكانت المدارس الفنية الغربية بتقنياتها المتعددة أفضل ما يستفاد منه في الرسالة، حيث أنه لا يشترط أن يكون الفنان خطاطا محترفا، لأنه في هذه الحالة يتعامل مع الحرف كوحدة جمالية وليست هندسية مضبوطة على غرار الخطاطين الكلاسيكيين، إلا أن إشكالية الاختلاف الفكري بين الفنان الغربي ونظيره العربي في عدد من الأوجه، فمفهوم الأصالة عند الفنان العربي المحافظة على مجموعة من القيم والموروثات الفكرية الضاربة جذورها في القدم، وهو ما يقود العمل الكلاسيكي التي تلتزم بالمحافظة على تلك النظم والمعايير التي تمثلها الأصالة، وعلى نقيض المفهوم العربي فإن الأصالة عند الفنان الغربي تعني الإبداع الخلاق الذي يأتي بشيء من جديد، ويتفرد صاحبه بالانقطاع عن التجارب الفنية السابقة وكذا اللاحقة.، كما أن اللوحة المغربية الكلاسيكية يتذوق جمالها وأصالتها و انتظامها في وحدة واحدة، فالفنان المسلم الكلاسيكي يتطبع بطباع الاندماج في الكون الفسيح بنظام، وبالتالي تكون أعماله على هذا النسق، ما جعل المتلقي يتوقع أن تسلسل العناصر في اللوحة الخطية، بينما لا يتوقع المتلقي عناصر اللوحة الفنية الغربية، بل نجد صعوبة في اللوحة الغربية في تأويلها وفهمها أو حتى تفسيرها. في رأيك هل ما يقدم في لوحات الفنانين هو مستمدة من المحيط الخارجي ؟ بالنسبة للفنان الغربي فنظام اللوحة لا يستمد من البيئة أو المحيط الخارجي، إنما ناتجة من الاضطراب الداخلي الذي يقع فيه الفنان الغربي تحت وطأته تأثيراته، مما جعله عالما داخليا يصعب حل رموزه أحيانا، خاصة عندما يعاني من فوضى واضطراب، فينعكس ذلك في الخطوط والألوان والحركة وكافة العلاقات الناتجة عنها، كما أن عمل الفنان الغربي لا يميزه المنظر الجذاب بقدر ما يميزه موضوع العمل والنظرية الفنية التي يمثلها وإظهار انفعالات الفنان فيها، أما بالنسبة للفنان العربي فنظام اللوحة عن الفنان العربي تدخل ضمن المجال الواقعي، وأعماله الفنية جذابة ومتناسقة الأجزاء.