يوصف التحول الكبير الذي شهدته اكبر دولتين هزمتا في الحرب العالمية الثانية المانياواليابان "بالمعجزة" بعد سبعين عاما على استسلام هاتين القوتين الاقتصاديتين العالميتين. ففي العام 1945 كان البلدان مدمرين بسبب حرب لا سابق للعنف التي شهدتها. ففي اليابان تبخرت ربع الثروة الوطنية (إجمالي الناتج الداخلي) لما قبل الحرب. ومع ذلك تمكن الأرخبيل من ان يصبح في 1962 ثاني اقتصاد في العالم مع نمو بنسبة تسعة بالمئة سنويا كمعدل وسطي من 1955 الى 1973. وكان عنوان صحيفة في 1962 يتحدث عن "اليابان المدهشة" وآخر يشير الى "المعجزة الاقتصادية" لالمانيا التي كانت اسرع وأصبحت تلي الولاياتالمتحدة تماما في نهاية الخمسينات. وفور انتهاء الحرب قام الحلفاء بتفكيك القدرات الصناعية لالمانيا التي كانت تتركز في منطقة الرور ومنها مثلا شركة اي غي فاربن التي كانت تنتج غاز زيكلون بي الذي استخدم في معسكرات الاعتقال. وفي اليابان فكك المحتلون الاميركيون عن طريق الجنرال دوغلاس ماك آرثر مجموعات كبرى من بينها مثلا "زايباتسو". لكن هذه السياسة باتت اكثر ليونة في اجواء الحرب الباردة ومنحت الاولوية لتعزيز الاقتصاد من اجل مواجهة "التهديد الشيوعي". في 1948، طرح الامريكيون والبريطانيون والفرنسيون في مناطق سيطرتهم المارك الالماني وبدأوا معالجة التضخم. والامر نفسه طبق في اليابان برعاية المصرفي جوزف دودج. ولعبت المساعدة المالية الكبيرة للمحتلين دورا حاسما تحت غطاء خطة مارشال في اوروبا البرنامج الهائل الذي بلغت قيمته 13 مليار دولار ويتألف من هبات خصوصا. وتلقت جمهورية المانيا الاتحادية الفتية او ألمانيا الغربية التي تأسست في 1949، حوالى 1,5 مليار دولار. اما جمهورية المانيا الديموقراطية التي باتت في دائرة نفوذ الاتحاد السوفياتي وتأسست في السنة نفسها، فلم تتلق شيئا اذ ان ستالين رفض المساعدة الاميركية. وخلال "سنوات الازدهار الثلاثين" (1946-1975) جلب نموذج الاقتصاد الاجتماعي للسوق بدفع من المستشار كونراد اديناور ووزير الاقتصاد لودفيغ ايرهارد الذي اصبح مستشارا بعد ذلك، لالمانيا الاتحادية فترة متصلة من الرخاء والازدهار. وبلغت نسبة النمو 7 بالمئة سنويا تقريبا وانخضفت نسبة البطالة من 11 بالمئة في 1950 الى 0,7 بالمئة في 1965. واستمر ذلك حتى الصدمة النفطية في 1973. وتمكنت اليابان من انجاز اعادة الاعمار بجهودها وان كانت الحرب بين الكوريتين من 1950 الى 1953 اعطت دفعا كبيرا للمصانع اليابانية التي شهدت تدفقا للطلبيات الاميركية. وفي 1956 اصدرت الحكومة اليابانية كتابا ابيض حول الاقتصاد قالت فيه ان "مرحلة ما بعد الحرب انتهت" وذلك بعد اربع سنوات على رحيل المحتل. ورفع شعار التعبئة والكف عن التذمر والانكباب على العمل. وبدأت وزراة التجارة والصناعة صاحبة الرؤية والمخططة تشغيل المصارف والمجموعات التي كانت "مؤسسات تشبه عائلة او عشيرة او مؤسسة دينية" متضامنة جدا. وانشئت مجموعات كبيرة مثل ميتسوبيشي وسوميتومو بينما توسعت اخرى اصغر كانت موجودة قبل الحرب مثل تويوتا وماتسوهيتا (اصبحت باناسونيك اليوم)... وقال ايفان تسيليشتشيف استاذ الاقتصاد في جامعة نيغاتا شمال غرب اليابان ان "رجال الاعمال كانوا راغبين في الاستثمار والتحديث ومستعدين للمجازفة ويشعرون بانه حان الوقت لذلك بعد سنوات الحرب الطويلة". وأصدر رئيس الوزراء الياباني شينزو ابي أمس اعلانا في الذكرى السبعين لهزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية في 1945 سيكون حاسما لعلاقات الارخبيل مع الدول الآسيوية المجاورة التي شهدت فظائع ارتكبها الجيش الياباني. وسيرصد الصينيون والكوريون خصوصا بدقة العبارات التي سيستخدمها ابي الذي يتهمه خصومه باعادة كتابة التاريخ. وما زال التوسع العسكري لليابان بين 1910 و1945 يسمم علاقات طوكيو مع هذين البلدين المجاورين اللذين ينتظران بفارغ الصبر العبارات التي سينتقيها السياسي اليميني من "اعتذارات" او "ندم". وقالت شبكة التلفزيون العامة ان اتش كي ان صيغة من هذا الاعلان الذي اعد تتضمن كلمتي "اعتذارات" و"عدوان".