عرض في مهرجان تورينو السينمائي ال33، الفيلم الفلسطيني الروائي الطويل "يا طير الطاير" أو "محبوب العرب" الذي يروي فيه مخرجه هاني أبو أسعد، قصة صعود المطرب الفلسطيني الشاب محمد عساف، صاحب الحنجرة الذهبية، من حياة الفقر والفاقة في غزة، إلى الشهرة والأضواء بعد فوزه في مسابقة "محبوب العرب" التلفزيونية الشهيرة والتي تتابعها أعداد كبيرة من الشباب العربي. فاز عساف باللقب، ولقي اهتماما كبيرا واتخذ طابعا رمزيا فقد أصبح مرتبطا بإثبات قدرة الفلسطيني على إسماع صوته في أرجاء العالم العربي بقوة الموهبة وحدها، بل راودت الآمال الجماهير التي شجعت عساف ودعمته بجنون حتى النهاية، في أنه يمكن أن يلعب دورا "نضاليا" أيضا في التعبير عن قضية شعبه الذي يعاني من الاحتلال والقهر. ذهب البعض إلى القول إن فيلم "يا طير الطاير" عبارة عن مزيج من فيلم "روكي" الأميركي، والفيلم البريطاني "مليونير العشوائيات"، بينما يرى البعض أن أبو أسعد كان يستلهم هنا من الأفلام الغنائية الميلودرامية المصرية الشعبية التي أبرزت موهبة عبد الحليم حافظ في الخمسينات، وكانت تتقاطع في الكثير من خيوطها مع بعض تفاصيل الحياة الحقيقية الشاقة التي عاشها حافظ قبل أن يصبح من مشاهير الغناء. يروي فيلم "يا طير الطاير" من البداية كيف برزت موهبة عساف وهو بعد طفل صغير، وكانت شقيقته "هبة" أول من التفت إلى موهبته، وظلت تشجعه وتدفعه للثقة بنفسه، وتنبأت له بالوصول إلى الغناء في دار الأوبرا بالقاهرة، ثم كيف يسعى عساف- الطفل لتكوين فرقة موسيقية مع بعض أصدقائه الأطفال، ويسعون جميعا لشراء آلات موسيقية، وكيف كانت أسرة عساف تعترض على مساره هذا، ثم يكبر وتكبر موهبته ورغبته في مغادرة قطاع غزة إلى القاهرة. ما يحدث بعد ذلك معروف ويمكن التنبؤ به، فعساف يتمكن بصعوبة من الحصول على بطاقة لحضور المسابقة، ليشارك ويحقق الفوز لينتقل إلى بيروت حيث يكتمل نجاحه. والواضح أن سيناريو الفيلم، الذي اشترك في كتابته أبو أسعد مع سامح الزعبي، أدخل الكثير من المواقف والأحداث التي لا ترتبط بمسار حياة عساف الحقيقية، لكي يضفي على الفيلم أجواء من الإثارة والترقب. ورغم التعقيدات التي كان بطل الفيلم الصغير يواجهها، إلا أن السبل جميعها كانت تنفتح أمامه بمعجزة، ويقف الجميع معه، سواء بموجب الصدفة وحدها أو نتيجة للإعجاب به وبصوته القوي الذي يمكنه أن يقنع أحد ضباط الأمن في حماس عند معبر رفح بأنه صوت من السماء! هناك كثير من المصادفات والاستطرادات حول مرض "هبة" المبكر ثم وفاتها، وشبح علاقة عاطفية بين عساف وفتاة من غزة، وبعض الإشارات الخافتة إلى ما يقوم به رجال حماس في القطاع وانضمام أحد زملاء عساف القدامى إلى الحركة ونبذه الموسيقى والغناء ومع ذلك يقتنع في النهاية بالوقوف مع صديقه ويساعده في دخول مصر عبر معبر رفح ربما لا تكون الأغاني التي اختار أبو أسعد تقديم عساف من خلالها هي الأقوى والأكثر إبرازا لقوّة صوته، وربما لا يكون الممثل الذي قام بدور عساف بعد أن أصبح شابا، متقاربا في ملامحه من ملامح محمد عساف الجميلة المتناسقة، وربما يغالي أبو أسعد كثيرا في استخدام الحوارات المنمّقة القريبة من الشعارات على ألسنة الأطفال. ولكن لا شك أن الطابع القصصي الميلودرامي والبناء المبسّط والحبكة التي تسير في اتجاه صاعد بشكل مثير رغم معرفة الجمهور بالنتيجة، هي ما يجعل فيلم "يا طير الطاير"" أقرب أفلام أبو أسعد إلى الجمهور، فهو يبدو كما لو كان حلقة من حلقات "أوبرا الصابون" التي تنتهي عادة نهاية سعيدة وسط تهليل الجمهور. ولكن أبو أسعد لن يحقق به ما سبق أن حققه من سمعة ونجاح في أوساط السينما العالمية مع فيلمين سابقين له هما "الجنة الآن" و"عمر".