لم تكن سنة 2015، سنة عادية بالنسبة للجزائريين على كل المستويات، بدأت بسياسة شد الحزام عقب الهزة البترولية والمالية، مرورا بانفجار الوضع في ولاية غرداية، ووصولا إلى تغييرات في الجيش وذراعها المخابرات، وسقوط أسطورة الرجل-الشبح على رأس الجهاز، الجنرال محمد مدين، وتدشين عهد سجن الجنرالات، وصنعت هذه الأحداث مشهدا سياسيا غامضا، يزيد حدة بغياب الرئيس عن المشهد العام بسبب المرض، وجبهة اجتماعية ساخنة بسبب التقشف ووضع أمني ملتهب على الحدود. تودع الجزائر، السنة الجارية بأحداث تاريخية، كان أهم ما استوقف الجزائيين فيها، تغييرات مست الجيش ومديرية الاستعلام والأمن، وأسقطت أسطورة "الجنرال توفيق" بعد ربع قرن قضاها على رأس الجهاز، بإحالته على التقاعد في 13 سبتمبر الماضي، وتعيين اللواء عثمان طرطاق في منصبه، في قرار وصف ب"التاريخي" وأثار جدلا واسعا في الساحة السياسية، بين قراءتين، تقول الأولى إن الرئيس بوتفليقة، مارس صلاحياته وأجرى تغييرات عادية كانت مقررة منذ سنوات لإعادة هيكلة الجهاز وجعله يتماشى مع مستجدات الساحة الوطنية والدولية، وثانية تعتبرها جاءت في سياق صراع بين الرئاسة والمخابرات يبحث فيه كل واحد عن زيادة نفوذه داخل النظام وبالتالي تمكن الرئيس بوتفليقة من بسط نفوذه على كل أجهزة الدولة بعد فترة توازن القوى بين المؤسستين القويتين. ويستدل أصحاب هذا الاتجاه بمتابعة كل من رئيس فرع مكافحة الإرهاب في المخابرات الجنرال عبد القادر آيت وعرابي، المدعو حسان الذي حكم عليه بخمس سنوات سجن بتهم "مخالفة أوامر عسكرية وإتلاف وثائق"، والعميد المتقاعد حسين بن حديد بسبب إدلائه بتصريحات للإعلام صنفت في خانة "إحباط معنويات الجيش". وكان الحدث الآخر الذي لحق هذه الأحداث وأثار زلزالا في الساحة السياسية، هو خروج الجنرال توفيق عن صمته، بعد 25 سنة مارس فيها مهامه بلا صورة ولا صوت، في رسالة إلى الرأي العام، يدافع فيها عن مرؤوسه الجنرال حسان الذي صدر بحقه حكم بالسجن من طرف المحكمة العسكرية بوهران، وأثارت الرسالة ردود فعل غير مسبوقة، لكن سرعان ما شهدت الساحة حدثا آخر لا يقل جدلا، بعدما ظهر رئيس مدير الاستعلامات والأمن، اللواء عثمان طرطاق أمام العلن في فندق الأوراسي، خلال اجتماع الشرطة الإفريقية "أفريبول" ليظهر في وجه مناقض مع سابقه. 13 وزيرا يغادرون الحكومة لم تكن التغييرات في مؤسستي الجيش والمخابرات معزولة، بل استبقتها عدة تغييرات أخرى في العديد من مؤسسات الدولة، مثل حركة الولاة وتغيير مديري مؤسسات عمومية وتعديلات على مستوى الجهاز التنفيذي، حيث أجرى الرئيس بوتفليقة تعديلين للحكومة، كان الأول في ماي وعرف مغادرة عشرة وزراء، نادية لعبيدي وحسين نسيب ومحمد تهمي وزهرة دردوري والطيب بلعيز ويوسف يوسفي وخليل ماحي ومحمد جلاب ودليلة بوجمعة ويمنية زرهوني، ويمثل هذا العدد ثلث الطاقم الحكومي. وكان رحيل وزيرة الثقافة نادية لعبيدي منتظرا، بسبب اتهامها بالفساد من طرف الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، فيما وصفت مغادرة وزير الطاقة يوسف يوسفي أنها كانت تحت طائلة ضغوط بسبب ملفات سوناطراك 1و2 وتراجع الإنتاج النفطي في الثلاثي الأول من السنة.وألحق هذا التغيير بتعديل جزئي شمل ثلاث وزارات، غادرها كل من عمارة بين يونس وعبد القادر خمري وعبد القادر قاضي، وخطفت مغادرة بن يونس الحكومة الأضواء بسبب قربه من رئيس الجمهورية، فيما وصف رحيله بضغوط من بارونات الاستيراد بإيعاز من وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب، وجاء بعد جدل أحدثه بقرار تحرير بيع الخمور بالجملة. صراعات سياسية وخطاب يتراجع كانت عودة أحمد أويحيى على رأس الأمانة العامة للأرندي بالنيابة، بمثابة تعميق للقطيعة بين السلطة والمعارضة، بعدما ظهر في مهمة الوقوف في وجه انتقادات المعارضة، وأجهر بتلك النية بمقولته الشهيرة "شدو سابعكم" التي وجهها للمعارضة والإعلام، ورد على رئيس الجيش الإسلامي للإنقاذ سابقا مدني مزراق، الذي أعلن تأسيس حزب سياسي، وأثار جدلا واسعا خلال الصائفة، لكن صراع أويحيى لم يتوقف عند المعارضة، بل انتقل إلى الموالاة، عندما أعلن رفضه مبادرة "التقدم في انسجام واستقرار" للأفلان، وأطلق مبادرة إحياء الرئاسي بين الأربعة المؤيدين للرئيس، وكانت بداية صراع بتصريحات مشفرة بين أويحيى وسعداني تم الإعلان فيه عن زوال تحالف العهدة الرابعة، بعدما أيد عمارة بين يونس قطب أويحيى وانظم عمار غول إلى أطروحة سعداني. ومن بين أهم ما ميز السنة الجارية سياسيا، صراعات ثنائية صنعت الجدل، كان أهم أبطالها الأمينة العامة لحزب العمال ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد والأمين العام لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني ووزير الصناعة عبد السلام بوشوارب ورجل الأعمال اسعد ربراب، وامتد تاريخ الثورة خلال حرب تصريحات بين العقيد بن عودة وخالد نزار، واتهامات لسعيد سعدي ضد مصالي الحاج وبن بلة وعلي كافي، وفي ضوء ذلك انحدر الخطاب السياسي، وباتت العبارات المقللة من شأن الآخر سمة حاضرة في تصريحاتهم بوسائل الإعلام، في وقت غاب أي نقاش بين السلطة والمعارضة. وسجلت أحزاب المعارضة تراجعا في مواقفها، بعدما ظهرت متخلية عن مبادراتها، لاسيما مبادرة الانتقال الديمقراطي والإجماع الوطني للأفافاس، دون طرح أي بدائل، وارتكز نشاطها على تبادل الاتهامات مع السلطة وتحميلها مسؤولية الوضع بسبب ما تسميه "شغور منصب الرئاسة" بسبب مرض الرئيس بوتفليقة، بينما أثار ظهور مجموعة ال 19 التي تضم موالين سابقين للرئيس، أبرزهم حنون وخليدة تومي والمجاهدة زهرة ظريف، جدلا واسعا، بمطالبتهم لقاء رئيس الجمهورية وتشكيكهم في علمه ببعض القرارات. وكان الغائب الأكبر خلال السنة الجارية، مشروع تعديل الدستور، المؤجل منذ سنوات، حيث طالما أظهرت الرئاسة رغبتها في تعديل الدستور في إطار ما أسمته ب"استكمال الاصطلاحات" غير أن ذلك لم يحدث بعد عدة محاولات فاشلة كانت آخرها مشاورات قادها أويحيى سنة 2014 وصفت ب"الفاشلة" حيث لم تحقق التوافق المطلوب بين الفعاليات السياسية. وتبرر الرئاسة في كل مرة سبب التأجيل ب"عدم الرغبة في التسرع"، وظهرت أولى بوادر الإفراج عن المشروع خلال الاجتماع الأخير للرئيس مع عدد من المسؤولين في الدولة حول الملف، وأعلن بعدها الأمين العام للأفلان تعديله في جانفي القادم. أزمة غرداية والتهاب الحدود شهد العام المنقضي، تصاعدا لأزمة غرداية التي بدأت في ديسمبر 2013 باشتباكات بين سكان المنطقة من أتباع المذهب المالكي وآخرين من المذهب الإباضي، وبلغت الأزمة ذروتها في جوان الماضي حين أوقعت الاشتباكات عشرات القتلى والجرحى خلال يوم واحد، ما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تمثلت أساسا في تكليف الجيش بتسيير الوضع وشن حملة اعتقالات واسعة طالت من اتهموا بالوقوف وراء تأجيج الأوضاع، فضلا عن اتخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية لتجاوز آثار الأزمة، وانتهت بتسوية الصراع. وشهدت هذه السنة تزايد المخاطر الأمنية، بسبب الوضع في البلدان المجاورة، لاسيما مالي وليبيا، وظهور ما يعرف بتنظيم "داعش" في ليبيا، ما جعل الوضع ملتهبا على الحدود الجزائرية، إضافة إلى تزايد مخاطر التهريب،خاصة السلاح، ومشكل اللاجئين الأفارقة، ما جعل الدبلوماسية الجزائرية تضاعف جهودها لتسوية الأزمات في هذه البلدان، وصنفت أغلب التقارير في 2015 الجزائر ضمن البلدان المهددة في أمنها.