تطرح رواية "كابوس الأرض اليباب" إمكانية أن يصبح الحلم، حتى لو كان كابوسًا، بديلًا للواقع، و في أفضل الأحوال أن يغدو امتدادا ملتبسا لهذا الواقع. أين يهرب الإنسان من كوابيسه؟، وكيف يطوّعها ويتعامل مع عالمه الداخلي شديد الحساسية والإرباك؟ هذه بعض الأسئلة التي تطرحها رواية "كابوس الأرض اليباب"، العمل الإبداعي الجديد للكاتب والمسرحي رياض مصاروة، الصادر حديثُا عن دار راية للنشر في حيفا. تقدّم الرواية سردًا لتتابع كوابيس حالم ستينيّ، وأسئلته عن معنى الحياة ومرور الزمن، من زاوية رؤية شخصيّة لكنّها غارقة في الوقت نفسه في اللحظة الراهنة، عبر مشاهد ووجوه تعبر إلى نومه من نشرات الأخبار الدامية وتقارير الموت والغرق والخراب التي تلف أجزاء كثيرة من الجغرافيا العربية. وهو يعود إلى ليله بشغفٍ وترقّب ليتابع الوجوه التي بات ظهورها متكرّرًا في مناماته، بل أنه أطلق على بعضها أسماءً، وأنشأ معها حوارًا، وراح يحادثها وتحادثه. يقول مقطع من الرواية "نهضت فتاة الزنابق مستنفرة سائلة: متى؟ وكيف؟ سنموت قبل أن ينبت الدم المسكوب وريقة واحدة، حتى الرياح نقضت وعدها بجلب غيمة، غيمة واحدة، وما نسمعه الآن ليس سوى الرعد العقيم الجاف، ماذا تنتظرين؟ من تنتظرين؟ أنت لا تنتظرين غير الصدى، الصدى العقيم لصوت الرعد العقيم. انكمشت على نفسها فتاة الزنابق، ركعت على ركبتيها، ضربت رأسها بالأرض وسألت: ما الذي يضحكك بفكرة الذهاب؟ المضحك بالفكرة أنك لا تستطيعين القول إلى أين، لأنه لا يوجد "أين" في هذه الأرض الخراب يا افيجينيا، وأنت هي سر الأين هذا. اقترب منها الطفل الذي ترك اسمه في حلب سائلا: أي خلاص يطلبون؟ وهل من خلاص على هذه الأرض، أنظري الى السماء، هناك، لقد زال ذلك الثقب، وأنت لم تشعري بالظلام الذي حل...لا أرى أي خلاص يا ميديا. ابق طفلا، لا تفقد الطفولي بك والا تحولت أيضا الى روبوت مثل الآخرين، انس كل ما رأيت وشاهدت وسمعت. لماذا لم نسمع صرخة: كفى! كفى! كفى! خافت فتاة الزنابق على سلمى- ميديا، ركضت اليها وأمسكتها من ذراعيها هازة كل جسدها قائلة لها: وأنا أقول لك الآن كفى يا سلمى! لا نريد سماعه. اختصري حكايتك! هؤلاء الأطفال المتبقين على هذه الأرض اليباب لا يتحملون الحكايات، حكايات لن تنفع بأي شيء". الرواية هي العمل الثاني الذي يصدر للكاتب عن دار راية، بعد "ملهاة الألم"، المجموعة القصصية الصادرة في 2014. وهي بدعم من مجلس الثقافة والفنون التابع لمؤسسة البايس. للتذكير فإن رياض مصاروة مسرحي وكاتب مقيم في الناصرة. ولد في الطيبة عام 1948، درس الإخراج المسرحي في مدينة لايبتزغ الألمانية 1972-1977. عمل مديرا للمركز الثقافي البلدي في الناصرة لمدة 25 عامًا، ومديرا لمسرح الميدان في حيفا 2010من إلى 2012 . أخرج وكتب وأعدّ عددا كبيرا من الأعمال المسرحية، بينها، "ليالي الحصاد"، "بؤس ورعب الرايخ الثالث" لبريخت، "رجال في الشمس" عن رواية غسان كنفاني، "راشيل كوري" وغيرها من الأعمال.