*- إسهامات ومواقف في الدفاع عن المرأة بادر مركز الفنون والثقافة التابع لقصر رؤساء البحر -حصن 23- ضمن سلسلة المحاضرات حول " أعلام الجزائر" التي تنظم دوريا بالفضاء الثقافي، إلى تنظيم لقاء حول الشيخ محمد بن مصطفى بن الخوجة (1864-1915)، المعروف بالشيخ الكمال، أحد أعلام الجزائر المحروسة من علماء الحنفية. وتطرقت المحاضرة إلى إسهامات الرجل العلمية في الدفاع عن حقوق المرأة، لقاء يندرج ضمن الاحتفال بمارس الأنوثة. نشط اللقاء الأستاذ الدكتور محجوب بن رزوان، وقدمت المداخلة الباحثة حبيبة أولمان حرم الكمال الحفيد. وحضر اللقاء إضافة إلى الوزير السابق السعيد شيبان ورئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد، وعدد من أبناء المحروسة وأصدقاء وعائلة الفقيه الحنفي. قال بن رزوان في تقديمه للمحاضرة، أنه اللقاء الشهري الثالث الذي يتناول شخصية فاعلة وسمت تاريخ الجزائر الحديث، بعد أن تطرق العدد الأول من اللقاء إلى الشيخ بابا أعمر، أما المحاضرة الثانية تناولت علما جزائريا كان رمزا للنضال وهو محمد بن علال القليعي، حفيد العلامة أحمد بن علال الذي بنى في بداية القرن 17 في 1610 مدرسة بالقليعة يفد إليها 400 طالب. كانت البداية مع قراءة أصيلة لآيات كريمة من سورة "الصف" بصوت الشيخ بن يوسف على النمط العاصمي الأندلسي، وهي قراءة تجعل مستمعها يسبح في عوالم العاصمة العريق ويسترجع الماضي التليد، ويؤكد أن لهذا البلد خصوصيته التي يسعى أن يطمسها دعاة الاستيراد في كل شيء وتغيير الأنماط، الذين لديهم قابلية تغيير أزيائهم حسب هبوب الرياح. تطرقت حبيبة أولمان الكمال إلى مسار وآثار الشيخ الكمال، وألقت الضوء على كتابه الموسوم "الاكتراث في حقوق الإناث"، وهي مساهمة منها لرفع الستار عن شخصية كادت أن تتراكم عليها طبقات من الغبار، واستغرق البحث 5 سنوات، في الأرشيف والمكتبات والمساجد والصحف التي تناولت تكريمات الرجل. لقد اعتمد على ما جاء في كتاب الاكتراث للدفاع عن حقوق المرأة الفلسطينية في 2013، لما طلبت الأممالمتحدة من الفلسطنيين تقديم عريضة حول مطالب المرأة. عرجت المتدخلة على حياة الشيخ الكمال (محمد بن مصطفى ابن الخوجة) عالم جزائري، ولد في 04 جانفي 1864 في الحي العتيق بالقصبة لمدينة الجزائر. ترعرع محمد بن مصطفى في عائلة ملتزمة جدا بالقيم الإسلامية. تمكن محمد بن مصطفى بمُواصلة دارسته، فتعلم أولا عن أبيه حيث ختم القرآن الكريم وهو في سن الحادي عشر. فتتلمذ عن الشيخ الحاج موسى وعن الشيخ الشهير بن الحفاف، مفتي الجزائر (المتوفي في 1887)، ثم عن العلامة الشيخ محمد سعيد بن زكري أيضا مفتي الجزائر، المتوفي في عام 1914. حضوره في المساجد واتصاله المباشر مع أساتذته عززت وضاعفت معرفته وشَجَعوه على العمل من أجل ترسيخ الإسلام. كان في عمره 18 سنة، عندما بدأ الشيخ الكمال محمد بن مصطفى ابن الخوجة يعمل ك"حزابا "متواضعا في المسجد الكبير حتى 1895 حين أصبح مدرِسا في المسجد "سفير" أعلى القصبة، كان يلقي دروسا في الفقه وفي تفسير القرآن. استطاع أن يهتم يوميا بتدريس دين الإسلام، وانطلق في كتابة المقالات الصحفية. ونظرا لإتقانه للغة العربية عُين محررا لصحيفة "المباشر" من 1886 إلى 1902، ويكتب مقالات مرتين في الأسبوع في مواضيع مختلفة، الزراعة، أخبار مختلفة من البلدان، وتشير المحاضرة أنة لم يحرَر مقالات تتعلق بالسياسة لأنه كان يعتبر "أنديجان". في تلك الفترة ورغم مراقبة الإدارة تمكن أن يتبادل مراسلات مع الشيخ محمد مكي بن عزوز الذي كان في منفاه بتونس. اهتم الكمال كثيرا بقراءة الصحافة لحركة النهضة التي كانت تهب على مصر. كما كان قاري وفي لجريدة "المنار" لرشيد رضا. مع ارتباطه العميق بهويته العربية الإسلامية، كان الشيخ بن الخوجة يبذل جهود معتبرة للدفاع عن اللغة والدين مع الحفاظ على وظيفته التي سمحت له أن يُكَوِن روابط مع بعض الشيوخ المشارقة (الشيخ محمد عبده، المحامي المصري -المعارض-محمد فريد بك. لهذا السبب فَقَدَ وظيفته. فالْتَفَتَ بعد ذلك إلى تدريس اللغة العربية والدين الحنيف. في عام 1901، زار الجزائر سيدي محمد الجباص (المبعوث الرسمي لسلطان المغربي مولاي عبد العزيز) لدراسة والإطلاع على نظام الإدارة الفرنسية في الجزائر. فتعرف بمحمد الكمال وبمستواه العلمي. فطلب من الحاكم العام أن يسمح له بالقيام بعمل واسع النطاق وهو إعادة كتابة القانون الإداري الفرنسي باللغة العربية. في نفس العام، قام المنشط السياسي المصري محمد فريد بك بزيارة إلى الجزائر، فالتقى بالشيخ الكمال، حيث قال عنه "ممن تعرفتُ بهم من أفاضل القوم بواسطة سيدي علي بالحداد، الكمال محمد بن مصطفى المحرر بإدارة الجريدة الرسمية "المبشر" وهو شاب لا يبلغ الخامسة والثلاثين، عالم بالعلوم العربية لدرجة لا يجاريه فيها غيره من علماء الجزائر، فكلف بالتدريس في الجامع الكبير، وله اطلاع على العلوم العصرية، إلا أنه لم يتعلم الفرنساوية مع معاشرته للفرنساويين في كل وقت وآن، وله شَغُفٌ زائد بمطالعة الجرائد العربية خصوصاً المصرية منها وكلها تُرْسَلُ لإدارة المبشر وبمطالعة كل ما يطبع بمصر من الكتب القديمة والتآلف الحديثة، وقد وجدتُ بخزانة كتبه مطبوعات شركة طبع الكتب العربية وما كتب على مسألة الحجاب، وتربية المرأة، وله في هذه المسألة رسالة صغيرة اسمها "الاكتراث في حقوق الإناث". فعندما تأكدت السلطات باحتكاك الشيخ الكمال مع محمد فريد بك واتصاله بمحمد عبده أبعد الشيخ الكمال من منصب عمله. في أوائل القرن 20 ظهرت في الجزائر عدة جرائد باللغة العربية ولكن للأسف لم تدم لأسباب مختلفة، الرقابة الصارمة من طرف الحكومة، التوزيع الغير المستمر، والعرقلة في توفير الوسائل التقنية. في هذا الجو، ظهرت مجلة "المغرب العربي" في 10 أبريل 1903. وفي ماي، تم تشكيل لجنة صياغة تتألف من خمس شخصيات بينهم محمد ابن الخوجة، عبد القادر المجاوي وعلي بودربة. في عام 1903، حين زار الشيخ محمد عبده الجزائر، كان محمد بن مصطفى من اللذين لازموه طول حضوره في المدينة. في عام 1905، بعد وفاة محمد عبده حرر الشيخ ابن الخوجة قصيدة تأبينية عن شيخه (لقد أدْرِجَتْ هذه القصيدة في كتاب "تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده" لمحمد رضا (فصل الجزائر). الشيخ محمد ابن الخوجة ليس مهتم فقط بالعلوم الدينية والقانونية. فكان مهتم بالأحداث المعاصرة في المغرب العربي والمشرق. فبالإضافة إلى التدريس في جامع سفير (حيث كان عمر راسم أحد من طلابه) كان يُدَرِسُ الشبان في منزله. في عام 1909، من أجل إعطاء قانون إسلامي للجزائر قامت فرنسا بتأسيس نص المشروع التمهيدي للقانون مع عدة علماء الجزائر منهم الشيخ محمد بن مصطفى ابن الخوجة خصة فما يتعلق في صحة الزواج (المادة 3 والمادة 59 والمادة 67). خلال العام 1910 تم تعيين الشيخ محمد بن مصطفى ابن الخوجة أستاذ في المسجد الكبير. عمل في هذا المنصب حتى عام 1913، حين تم تعيينه كإمام في مسجد سيدي عبد الرحمن ووكيل للضريح. فبقي في هذا المنصب حتى وفاته عام 1915. تحصل الكمال على عديد الأوسمة في مارس 1900، نشان افتخار. هذا التمييز منح له من طرف باي تونس. في عام 1904، خلال تدشين مدرسة الجزائر الجديدة (مدرسة التعالبية في أعالي القصبة) تحصل محمد الكمال على وسام الشَرَف الذهبي الأكاديمية كأستاذ في التعليم (مع غيره من الشيوخ: بلقاسم الحفناوي، المجاوي عبد القادر، حافيز، العمالي ...). خلال شهر جويلية 1914 وضمن زيارته إلى المغرب، كرم محمد الكمال، بوسام العلوي الشريف من طرف السلطان مولاي يوسف، الذي شكره شخصيا لمساعدته في تحضير للإصلاحات الإدارية للمغرب في عهد السلطان ملاي عبد العزيز. فأهدي له مصحف القرآن الكريم. في أوائل من شهر سبتمبر 1915، قام "ميرانت" (مدير الأمور الأهلية بالحكومة العامة في الجزائر) باستدعاء الشيخ الكمال. فطلب منه أن يبني خُطْبَتِهِ ليوم الجمعة على تطوع المواطنين المسلمين. فرفض الشيخ الكمال بتنفيذ تعليماته. تلا ذلك مشادات كلامية بينه وميرانت. فدخلا الرجلان في صراع كلامي شديدا ثم افترقا. فانهارت حالته الصحية. في يوم الخميس 9 سبتمبر 1915. توفي محمد بن مصطفى الكمال، وعمره 51 عاما. فدفن يوم الجمعة في مقبرة "سيدي أمحمد بحي "بلكور" (حي بلوزداد حاليا). من أهم كتبه الاكتراث في حقوق الإناث في سنة 1893، تنوير الأذهان في الحث على التحرز وحفظ الأبدان 1896، إقامة البراهين العظام على نفي التعصب الديني في الإسلام 1902، اللباب في أحكام الزّينة واللباس والاحتجاب 1907، مجموع مشتمل على قوانين مفيدة وتنظيمات سديدة، عقود الجواهر في حلول الوفد المغرب بالجزائر1903، نبذة وجيزة في معنى الدين والفقه فيه وما يتعلق بذلك ويتصل به 1902، قضايا تتعلق بمرض الجذري 1902، كما قام بتحقيق مؤلفي، العلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، ديوان شعر، ولديه مخطوطات لم تنشر.