ينشأ عنه من الأعمال الصالحة، والطاعات الكثيرة، فإنَّه إذا اعتمد القلب على اللَّه في جميع الأمور الدينيّة والدنيوية دون مَنْ سواه صحَّ إخلاصه وقويت معاملته مع اللَّه وزاد يقينه وثقته به تبارك وتعالى. وقد أمر اللَّه سبحانه بالتوكل عليه في مواطن كثيرة من القرآن الكريم، وجعل التوكل عليه شرطاً في الإيمان، فقال تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، وقال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ) . فجعل دليل صحة الإيمان والإسلام التوكل على اللَّه، وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل، فإذا كان التوكل ضعيفاً كان دليلاً على ضعف الإيمان ولا بد، فالتوكل أصل لجميع مقامات الدِّين، ومنزلتُهُ منها كمنزلة الجسد من الرأس، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن، فكذلك لا يقوم الإيمان ومقامته وأعماله إلا على ساق التوكل. وحقيقة التوكل هو عمل القلب وعبوديته اعتماداً على اللَّه وثقة به والتجاء إليه وتفويضاً إليه ورضاً بما يقضيه له؛ لعلمه بكفايته سبحانه وحسن اختياره لعبده إذا فوَّض إليه أموره مع قيامه بالأسباب المأمور بها واجتهاده في تحصيلها. هذه هي حقيقة التوكل: اعتماد على اللَّه وحده لا شريك له، مع فعل الأسباب المأمور بها والقيام بها، دون تعدٍّ إلى فعل سبب غير مأمور، أو سلوك طريق غير مشروع. والناس منقسمون في هذا الأمر الجليل إلى طرفين ووسط: فأحد الطرفين عطل الأسباب محافظة على التوكل، والطرف الثاني عطل التوكل محافظة على السبب، والوسط علم أنَّ حقيقة التوكل لا تتم إلا بالقيام بالسبب فتوكل على اللَّه في نفس السبب. وقد جُمع بين هذين الأصلين في نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه و سلم : ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)) رواه مسلم عن أبي هريرة، ففي قوله: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)) أمر بكلِّ سبب ديني ودنيوي بل أمر بالجد والاجتهاد فيه والحرص عليه نية وهمة وفعلاً وتدبيراً، وفي قوله:((وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)) إيمان بالقضاء والقدر وأمر بالتوكل على اللَّه الذي الاعتماد التام على حوله وقوته في جلب المصالح ودفع المضار مع الثقة التامة به في نجاح ذلك، فالمتبع للرسول صلى الله عليه و سلم يلزمه أن يتوكل على اللَّه في أمر دينه وديناه، وأن يقوم بكل سبب نافع بحسب قدرته وعلمه ومعرفته.