استطاعت بعض النسوة دفن الجدال بينهن وبين أزواجهن حول مصطلحات صماء لا تزيد من علاقتهم إلا توترا كالمساواة والاستقلالية، وذلك بمساندتهم ولو كان ذلك على حساب أنوثتهن فاقتحمن عالم الرجال لا للمنافسة بل للمساعدة. هناك الكثير من الزوجات الطموحات اللواتي حققن السعادة في بيوتهن بمساعدتهن لأزواجهن والوقوف إلى جانبهم والمضي معهم في السراء و الضراء, وضحين براحتهن لشراء سعادة بيتهن. منازل وأسر بنيناها بالدموع والجهد والصدق, وركبن الصعاب من أجل الوصول إلى ما وصلن إليه, فيذهب تعبهن بمجرد رؤية السعادة على وجوه أزواجهن وأولادهن.راهنت هذه الشريحة من الزوجات بأنوثتها وكذا بصحتها حيث اقتحمت قلعة الرجال وأصبحت تقوم بالأعمال الشاقة التي كانت حكرا على الجنس الخشن فهذه اشتغلت سباكة وأخرى صباغة وغيرها . صباغة من الدرجة الأولى تتلاشى أعباء المنزل ويتلاشى معها التعب اليومي الذي تكابده "مليكة " 49 سنة ربة بيت وأم لأربعة أطفال , عندما ترى السعادة بادية على وجه زوجها وأولادها كلما وجدوا الظروف سانحة لاستكمال العيش مع بعض في هذا الجو الذي تصنعه مليكة , حيث تؤكد هذه الأخيرة أنها وقفت مع زوجها جنبا إلى جنب منذ أن زفت إليه عروسا , وراحت تساعده في كل كبيرة وصغيرة, استصغرت خلال هذه السنوات كل المصاعب التي من شأنها الحد من عزيمتها, وكان أن اختارت دخول عالم الأعمال الشاقة التي تخص الرجال، فكان كل شيء يتعطل في المنزل إلا وتصلحه, ضف إلى ذلك امتهانها الصباغة أين بدأت كمغامرة حيث كانت تقوم بصباغة منزلها بنفسها, فزوجها موظف بسيط لا يمكنها إزعاجه بمصاريف إحضار صباغ إلى المنزل, وهو لا يمكنه الصباغة فليس لديه الوقت الكافي لأن معظم اليوم يقضيه في العمل وتكون عطلة الأسبوع أو العطلة السنوية فرصة لكي يستريح, فيسعد بما تفعله, وهو دائم المدح لها وعلى عملها ومثابرتها وكذا سعيها لإرضائه دائما . وللسباكة حكايتها في حين فضلت "صليحة"46 سنة أم لثلاثة أولاد أن تساعد زوجها على طريقتها وذلك حفاظا على بيتها, وعن تجربتها أخبرتنا أنه في يوم من الأيام وهي عروس الخمس سنوات تعطلت بالوعة المطبخ ما جعل الماء يفيض في أرجاء المنزل وعبثا حاولت إصلاحها لكنها لم تنجح ولم تستسلم، بل أحضرت المعدات وبدأت العمل حتى نجحت وأصلحتها, وسارعت لتنظيف المكان قبل عودة زوجها, وهناك أثنت عليها حماتها وعند دخول زوجها مدحتها أمامه ما زاد من فخره بها, ومن هناك كلما فسد جهاز أو أي شيء إلا وكانت هي مصلحته, مرجعة ذلك للتخفيف من حدة التكاليف خاصة وأن زوجها يعمل حارسا فمدخوله لا يكفيهم, واستطاعت هي الأخرى أن تتلقى مدخولا من زوجها كلما أصلحت شيئا, ليس كبيرا ولكنها كانت تخبؤه للأيام السوداء، وفعلا قد استفادت كثيرا من تلك المدخرات التي أنقصت عليهم الأعباء كلما لاقوا مشاكل . كل صبع بصنعة هذا ما عبرت به "فوزية" -39 سنة- عن نفسها أم لطفلين وربة بيت ممتازة على حد تعبيرها، فهي ومنذ صغرها فتاة يعتمد عليها، فوالدتها كانت توكل إليها كل أمور المنزل أدارته وهي بنت الثامنة عشر، وقد ساعدها ذلك على بناء حياتها الحالية وعندما انتقلت إلى بيت الزوجية كانت الحياة أكثر صعوبة، فكانت تحاول التوفيق بين أعباء المنزل وراحة زوجها الذي يدخل مساءا منهكا، فلا تستطيع استقباله بتعداد ما ينقصها وما هو بحاجة إلى تصليح، وأضافت أنها موهوبة وكذا مولوعة بالتصليح فإذا تعطل جهاز الراديو مثلا تصلحه وكذلك مجفف الشعر، وكل أنواع الأدوات الالكترونية، ناهيك عن المدخول الذي يأتيها من الجيران وأهل الحي الذين يثقون بمدى قدرتها على تصليح أدواتهم . بعضهن لا يملكن الخيار لم يكن للسيدة "حورية" -50 سنة- أم لستة أولاد – خيار إلا دخول عالم الأعمال الرجالية التي جعلت أصابعها تتشقق وأنوثتها تذبل وراء شبح مساندة الرجل في هذه الحياة, فقالت هذه الأخيرة أنها عاشت على أمل أن يساعدها زوجها في أعباء المنزل لكنه كان من النوع اللامبالي, فإن فسد شيء في المنزل تقوم هي بإصلاحه خاصة وأن منزلهم قديم جدا، وكثيرا ما تضطر إلى تسوية بعض الأجزاء المهترئة بالاسمنت ثم تعاود صباغتها , ناهيك إذا ما تعطل جهاز أو أداة أخرى لا يمكنها الاستغناء عنها فتكون هي المصلح, تؤكد حورية أن هذا الأمر أتعبها لكنها في نفس الوقت تنسى كل شيء بمجرد رضى زوجها وأولادها , فهو قبل كل شيء زوجها الذي قاسمته حياتها, كما أنه ليس بالرجل السيئ وإنما العمل خارج المنزل لم يترك له مجالا ليهتم بأمور التصليح في المنزل . السعادة المعنوية السعادة شعور عميق يجتاح النفس فيجعلها تحب الحياة وتتشبث بها, وما هذه الشريحة من الزوجات إلا مثال عنها, سعادة خلقنها بتجاوز العقبات والاهتزازات التي قد تهدد استقرار العش الزوجي الذي يبنى على حساب أعصابهن وصحتهن، لا تسمحن لهن بتجاوز الخط الذي رسمنه بأنفسهن فلم تساندن ما يصبو إليه دعاة الدفاع عن حقوق المرأة بمساواتها مع الرجل من أجل منافسته أو التقليل من قيمته, بل أخذن هذه القيم من أجل مساعدته وشق طريق الحياة معه, فلم تكترثن بذبولهن ولا باضمحلال أنوثتهن وجعلن من الأعمال الرجالية التي فضلن التيه في أروقة قلاعها شعارا لطموحهن ودليلا على قدراتهن التي لايستهان بها, ولكن وإن فضلن هذا العمل المضني وهذه المبالغة في الحفاظ على بيوتهن لا يجب أن ينسين كيمياء أجسادهن التي يمكن أن تتأثر بهذه التغيرات, فالمرأة ومهما كانت رغبتها قوية في مساعدة زوجها والحفاظ على أسرتها لا يمكنها أبدا التنازل عن أنوثتها ولا التضحية بجمالها .