استذكار مآثر الشيخ محمد بلقايد الشريف الحسني مؤسس الطريقة البلقايدية الهبرية    بطولة افريقيا للاعبين المحليين: المنتخب الوطني يختتم تربصه الاعدادي بعنابة    أشغال عمومية: رخروخ يستقبل نائبا بالمجلس الشعبي الوطني عن ولاية غرداية    الموافقة على تعيين سفير الجزائر الجديد لدى جمهورية ساوتومي وبرانسيب    تصفيات مونديال 2026: تشكيلة المنتخب الوطني تستأنف تدريباتها بسيدي موسى    "ترقية المحتوى الرقمي لحماية الطفولة" محور لقاء وطني بالجزائر العاصمة    السيد بلمهدي يشرف على افتتاح فعاليات المسابقة الوطنية لجائزة الجزائر لحفظ القرآن    هزة أرضية بدرجة 0 ر3 درجات بولاية المدية    الجزائر-فرنسا: "الخلاف مفتعل بالكامل"    بلايلي: هذا الأهم بالنسبة لي..    جمال منّاد.. وداعاً    لن نتمكّن من هزيمة حماس    عشرات الآلاف يُصلّون في الأقصى    مولوجي تشارك المسنين الإفطار    إعدام خائن في غزّة    محرز.. 100 لقاء دولي    رئيس الجمهورية يؤكد أن الجزائر لن تتخلى عن فلسطين    رئيس الجمهورية: الجزائر خطت خطوات كبيرة في مجال الأمن الغذائي والمائي    رئيس الجمهورية: الدولة ستقف بالمرصاد لكل من يحاول استهداف استقرار الوطن    رئيس الجمهورية: نحو استحداث مؤسسة لإنجاز وتسيير محطات تحلية مياه البحر    انقسام الطبقة السياسية وروتايو يغرّد خارج السّرب    أشكر اللاعبين وسنلعب كل المباريات المتبقية كنهائيات    "الكاف" تمنع القمصان ذات الطابع السياسي    الاحتلال الصهيوني يدمّر المستشفى الوحيد لعلاج الأورام بغزّة    مجزرة غار أوشطوح.. غازات محظورة لإبادة 118 مدني    الاتحاد المغربي للشغل يدعو إلى التعبئة    تكريم المساهمين في إنجاح صالون "ويست-إكسبورت"    "قلب اللوز".. الحلوى التي غزت موائد القسنطينيّين    "الشاربات".. عنوان "بنّة" فواكه متيجة    هولندا.. رمضان ضيف عزيز    المعرض الإفريقي للتجارة البينية.. الجزائر أمام فرصة من ذهب    نظام جديد للاتصال بين المحبوسين وعائلاتهم    دراما مشوّقة تكشف خبايا الفساد وأثر الحراك الشعبي    تندوف تكرم حفظة كتاب الله    بوغالي يعزّي في وفاة جمال مناد    "جريت وول موتورز" تعرض مشروعها بالجزائر    امتنان لعلماء دول العالم الإسلامي    زهير بللو: فن الشعبي تعبير صادق عن وجدان الشعب الجزائري    فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" و"ركب الحجيج"    المعرض التجاري الإفريقي الرابع بالجزائر: إطلاق النسخة الثانية من جائزة النشر في إفريقيا    حضر حفلا فنيا تراثيا.. بللو على على تكريم فنانين بأوبرا الجزائر    صالح قوجيل: الجزائر المنتصرة تسير في الطريق الصحيح    رئيس الجمهورية يجري لقاءه الإعلامي الدوري مع ممثلي الصحافة الوطنية    مسابقة "تاج القرآن الكريم" : تواصل السهرات التنافسية بالمركز الدولي للمؤتمرات    نتائج اعتماد نظام العمل المتواصل مشجعة    نسبة الجاهزية بلغت 96 بالمائة    ربيقة يشارك في تنصيب رئيسة ناميبيا    الرقمنة.. ثم الرقمنة    هبّات تضامنية واسعة عبر مختلف ربوع الوطن    سايحي يبرز مجهودات الدولة    مدرسة الصيام الربانية    المحاربون يحققون فوزا ثمينا ويستعيدون الصدارة    دعاء الجماعة أَوْلَى بالقبول من دعاء الفرد    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    السيد سايحي يبرز مجهودات الدولة في توفير الهياكل الصحية عبر مختلف ربوع الوطن    أجمل دعاء يقال في رمضان    متى يباح الإفطار للصائم    جاهد لسانك بهذا الدعاء في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب المكيف
مرايا عاكسة
نشر في الجمهورية يوم 24 - 07 - 2017

قرأت عدة مقالات وتصريحات ساخرة من الداعين إلى ضرورة حضور الأدب اجتماعيا، وهي تعتبر الأدب هدفا لذاته، وليس قيمة وظيفية، بمنأى عن الضغوطات، أي أن عليه عدم الارتباط بمحيطه الخارجي المنتج له، أو المتقاطع معه في سياقات وعلامات. ما يفهم أن هناك كتّابا يؤلفون لأنفسهم، أو يكتبون عن قضايا تعنيهم كأفراد استعلائيين ليست لهم التزامات أخلاقية وحضارية بمجتمعاتهم وبالقيم الإنسانية المشتركة بين الناس، أو بمن يقرأون إبداعاتهم من المهتمين والدهماء الذين يبتلعون منجزهم دون مساءلات.
قد تكون هذه المواقف خيارات سردية وشعرية ممكنة لأن الكاتب، كما الشاعر والفنان، حرّ في انتقاء موضوعاته ورؤاه، سواء كانت واقعية أو خيالية، تاريخية أو ظرفية، ذات سند أو مجرد استشراف مؤسس على معطيات مخصوصة شحذتها تجربة الكاتب وثقافته، أو كما قال سارتر:«الواقع هو العين التي تبصره».
ليس لنا، بطبيعة الحال، مهما كانت قناعاتنا ومذاهبنا، تقنين الكاتب وحصره في مربع ما، لأن ذلك يدخل في باب التضييق على قدراته وحريته التي تعد مصدر إبداعه وجوهره الثابت. وبالمقابل، يمكننا طرح عدة أسئلة تخص انسحاب الكاتب من قضايا المجتمع: لمن نكتب؟ عن أي شيء نكتب ولماذا؟ ما علاقتنا بالمجتمع وقضاياه؟ هل الكتابة مكيف هواء أو مروحة؟ إلى أي حد يمكننا التعامل مع استيراد الرؤى الغيرية؟ لماذا نكتب للآخرين؟ ما دور الجوائز في تكريس بعض التوجهات الجديدة؟ ثم...هل يمكننا الحديث عن تدني المقروئية في ظل اهتمام الكتابة بقضايا لا تعني القارئ؟ لماذا تغلب الخطاب السياسي والديني على الخطاب الأدبي الذي ظل يتراجع بشكل لافت. يجب الاعتراف بأن الخطابين السياسي والديني أقرب إلى الأمة من الخطاب الأدبي، بصرف النظر عن مصداقيتهما ومستواهما، على عكس الخطاب الأدبي والخطابات الأخرى التي ظلت نائية، وليست ذات معنى، رغم قيمتها المعرفية: الفلسفة، علم الاجتماع، علم النفس،، وكل ما كان ذا علاقة بالشأن الجمالي: المسرح، السينما، الشعر، القصة، الرسم، النحت، الكوريغرافيا.
تبدو هذه العلوم والفنون مجتمعة أقل قيمة من حضور المزمار في المخيلة الجماعية، وأقل تأثيرا من خطاب أي لاعب في الفريق الوطني، وأقل شأنا من خطاب مطرب يسوّق لكلمات استقاها من صلب محيطه الخارجي من أجل التأثير فيه. هل أدرك هؤلاء، شأنهم شأن الساسة، ما لم يدركه الكتّاب في السنين الأخيرة بعد إدانة أدب السبعينيات الذي اختار طريقا آخر: الالتزام؟ ربما كانت فترة التسعينيات أحسن جوابا عن كل أسئلة الكتاب والقراءة.
سيقول بعضهم إن السياق العام مناوئ للكتاب والعقل، وتلك حقيقة ماثلة للعيان. المطالعة تأتي في الرتبة ما بعد الأخيرة من اهتماماتنا اليومية. المقروئية في الجامعة تقارب صفر فاصل سبعة بالمائة حسب إحصائيات أجريتها على تسع جامعات. أمّا على مستوى أوسع، وعكس الادعاءات السائدة وما يروّج له بعض الإعلام والكتّاب، فإن الكتاب الذي يطبع في ألف نسخة ويظل مكدسا على الرفوف ثلاث سنين لا يقرأ سوى بنسبة تقارب 0000080،0.
الشركات والهيئات ومختلف المصالح تقدم دعما للطرب وكرة القدم، لكنها تشحّ على الكتاب لأسباب تخصها. مع ذلك فإن هناك كتّابا على مستوى عالمي انتشروا بشكل عجيب، دون أي دعم، مع حصار كبير للأنظمة الشمولية التي نبذتهم أو شرّدتهم، أو أسكتتهم أعواما. أذكر، على سبيل التمثيل، الرواية الممسرحة لميخائيل بولغاكوف التي كانت تصورّ وتوزع وتقرأ خفية، لتطبع لاحقا بعد أربعين سنة من وفاته. كما أن رواية الأم (1904) حققت مبيعات مدهشة، إضافة إلى تأثيراتها الكبيرة، ما جعل لينين يقول عنها: إنها تمثل نصف الثورة البلشفية (1917). الشيء نفسه بالنسبة لسولجنتسين الذي قال عنه أحد رؤساء فرنسا إنه أعظم مثقف في القرن العشرين. كان هذا الكاتب مطاردا، لكنه ظل حاضرا بنصوصه ومواقفه، إلى أن عاد إلى الإتحاد السوفييتي بعد البيريسترويكا.
العينات الدالة لا حصر لها، وهي مهمة وذات شأن. لا أحد منا نسي البؤساء لفيكتور هوغو، أو مؤلفات نجيب محفوظ. كيف حدث ذلك؟ كان أغلب هؤلاء مرتبطين بقضايا مجتمعاتهم الفعلية، بشعوبهم التي ينتمون إليها ويكتبون لها باستراتيجيات مختلفة، ومن منطلقات مختلفة، دون التخلي عن قيمة الفن لحساب السياسة والشارع «المنحط»، ما يقترب من المقولة الشهيرة التي تواترت قبل أزيد من قرن: يجب تقريب الشعب من الأدب وتقريب الأدب من الشعب. لكن كثيرا من الكتاب الذين انشغلوا بأنفسهم انطفأوا بعد شهرة صنعتها بعض الجهات المتخصصة في إنتاج الوهم.
هناك كتّاب كثيرون يكتبون ما لا يبين، أو ما لا علاقة له بالأدب الرفيع: تهويمات لا تعني القراء لأنها لا تفهم، وإن فهمت فإنها لا تقول شيئا يجذب المتلقي إلى جغرافيتها الدلالية، أو إلى وهمها المغالي في الاستعارات الميتة. كما أنّ قسما كبيرا من الكتاب منسحب من الشأن العام لاعتبارات مريبة، أو نفعية محضة: إما أنهم ينتظرون نياشين واستحقاقات مقابل صمتهم، أو أنهم متواطئون مع الشيطان، أو أنهم فوق الأمة وانشغالاتها الحقيقية، رغم أنهم أحرار في تصوراتهم ومذاهبهم.
لكني أتصور، من الناحية المنطقية المحضة، أنه ليس من حق هذا النوع من الكتابة والكتّاب الحديث عن تدني المقروئية وتبوأ الخطاب المضاد لخطاباتهم الغامضة، أو الواهمة، إن كانت لهم خطابات مسؤولة. الكتابة عبارة عن سوق تجارية لها جانبها النبيه في التعامل مع الزبون من حيث إنها صناعة كبقية الصناعات، وليست نبوة منزهة من الزلل، أو كتبا منزلة وجب تقديسها. أمّا إن اعتقدت أنها كذلك فعليها السلام. الأدب المكيف جيدا لا يعوّل عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.