سلطات المغربية تقمع نشطاء صحراويين مدافعين عن حقوق الإنسان    توقعات حالة الطقس اليوم .. سيعرف تساقطا للأمطار    مستغانم : مسجد القناينية بالمدينة الإمام يزاحم الجمعيات    حملة إلكترونية ضدّ نشر صور موائد الإفطار    شياطين الإنس والجن ورمضان .!؟    سُنّة تخلى عنها الشباب رغم بركتها ومزاياها الكبيرة    هدى نذير في ذمة الله    هل هي حرب بين ماكرون ووزير داخليته بخصوص الجزائر؟    هذه توصيات ملتقى رابطة علماء الساحل    هذه تفاصيل المشادة التاريخية بين ترامب وزيلينسكي    مولودية الجزائر تعزّز صدارتها    شنقريحة يحثّ على اليقظة ومضاعفة الجهود    الرئيس يهنّئ الجزائريين ويواسي الفلسطينيين    شهادة دولية لبنك الإسكان    اللحم الحلو يجمع الجزائريين في رمضان    انطلاق حملة مساعدة المحتاجين بالعاصمة    إطلاق جائزة الرئيس للأدب واللغة العربية    فيلم فانون يفوز بجائزة أسبوع النقد    بلمهدي يقدم واجب العزاء    الأسماك.. من المنتج إلى المستهلك    زروقي يتفقد مكاتب بريدية    ذهب الظمأ وابتلت العروق    كيف تحارب المعصية بالصيام؟    بحث سبل تعزيز ولوج الأسواق الإفريقية    حرب معلنة بين الرئيس الفرنسي ووزير داخليته وقودها الجزائر    باريس تصطدم بمواقف الجزائر الصلبة    حريصون على تقريب المرافق البيداغوجية من التلاميذ    هذه شروط التكوين ضمن برنامج تحسين المستوى بالخارج    "حماس" ترفض تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار    ممثلا لرئيس الجمهورية, السيد ربيقة يشارك في تشييع جنازة الرئيس الناميبي الأسبق سام شافيشونا نوجوما    هكذا تشجَّع الفتاة في أول صيامها    نصائح للتعافي من إدمان التدخين في رمضان    نشر المعطيات الأولية للإحصاء الثالث للفلاحة قريبا    هذه مواقيت عمل المؤسّسات البريدية في رمضان    ليفركوزن وألونسو يدخلان على الخط في صفقة عمورة    الجزائر.. البلد المحظوظ بجمال طبيعته وتنوّع تراثه    نادي ولفرهامبتون يريد بيع آيت نوري لميلان الإيطالي    الدفاع هاجس بيتكوفيتش قبل مواجهتي بوتسوانا والموزمبيق    تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجزائر وإسبانيا    "معا لرمضان دون حوادث مرور"    شهر رمضان.. وهذه فضائله ومزاياه (*)    هل ستلتزم القنوات الجزائرية بضوابط الإشهار والمحتوى؟    جامعة العلوم والتكنولوجيا بوهران : التوقيع على ثلاث اتفاقيات في إطار الانفتاح على المحيط الوطني والدولي    الأحزاب تستنكر الحملة العدائية الفرنسية.. "الجزائر لن ترضخ لأي مساومات"    تنس/الدورة الدولية ال2 للأواسط J30 الجزائر: تتويج الجزائرية بن عمار باللقب    صناعة صيدلانية: بحث سبل تعزيز ولوج المنتجين الجزائريين للأسواق الافريقية    فيلم "الحكيم فرانز فانون" لعبد النور زحزاح يفوز بجائزة أسبوع النقد بمهرجان فيسباكو    المسرح الجهوي لوهران: 16 سهرة موسيقية ومسرحية خلال شهر رمضان    الجمعية العامة الانتخابية للاتحادية الجزائرية لكرة اليد: فترة ايداع ملفات الترشح من 1 الى 3 مارس    رمضان: أكثر من 200 نقطة بيع لمنتجات الصيد البحري وتربية المائيات "من المنتج إلى المستهلك"    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفية هدى نذير    عهدة جديدة لحمّاد    العنف يتغوّل بملاعب الجزائر    التوقيع على ملحق اتفاقية حول إدراج الأعمال التدخّلية    الجزائر تحتل مكانة استراتيجية في صناعة الأدوية    للجزائريّين قدرة غير مألوفة على الصمود    تراث ومآثر من أمجاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين    أجال دفع تكلفة الحجّ تنتهي غدا الجمعة    









عبد الله الهامل.. عندما تعجن شيطنة الشعر بسماحة الصحراء..
ثرثرة من الجنوب

هناك مَن له مِن اسمه قسمة ونصيب.. ربما آل الهامل الشعانبة، لهم من ذلك بَخْت ويانصيب.. فلم يكن يدري الجد محمد بن يحيى، عندما همل على راحلته، وجاء من مدينة المنيعة لقرية رجال الله السبعة (تبلبالة)، وتزوج المرابطة لالّة أمباركة، أن ابنه الحاج علاّل، هو الآخر ستقوده هملته في البراري أيام الثورة المسلّحة من بلاد الشعانبة إلى ذات المكان عند أخواله، ليتزوج منها هو الآخر ابنة خاله، وينجب فتى ليس كفتيان القرية.. ذلكم هو القدر الذي أتى برفيقنا عبدالله الهامل إلى هذا الوجود.
ولد صاحبنا وعاش طفولته الأولى بتبلبالة، أو كما يحلو له أن يسميها في شذراته السيروذاتية اختصارا ب(بلبالة)، فتح عينيه على الرمل والنخل، وهام في حبهما، حتى تخضّب بطين تبلبالة، كما نعم بوداعة أهلها وبساطة عيشها، مما ترك أثرا بارزا في كتاباته، فتبلبالة حاضرة محفورة دوما في وعيه، بدراويشها وأزقتها وواحاتها وعروق رملها. وبانتقال الحاج علاّل من تبلبالة إلى مدينة بني عباس، كرّس هذا الأخير ارتباط مفهوم الهَمْلة بحظ العائلة منها وارتحالها بين ضفاف الأمكنة ومرافئ رمل البلدان.
ليس غريبا أن تحدث هذه الهملات والتنقلات، عبثية مبكّرة عند رفيقنا عبدالله الهامل، فقد بدا لمعلميه وأساتذته، نبوغه وتفوّقه على أترابه، حتى كان الأول على مستوى ثانوية بني عباس. لقد شرع له حصوله على شهادة الباكالوريا، أن يجتاز أسوار قصبات بلبالة وقصور بني عباس، ويؤشر جواز سفره لدخول ممالك جامعات الشمال، فحط الرحال بجامعة تلمسان، وكأنه يعي مفهوم تلك الهملة المرتبطة بقسمة العائلة وحظوتها الأبدية المتوارثة.
عمّق رفيقنا هملته بعد تخرّجه من قسم اللغة والأدب بجامعة تلمسان، فوجد في مقاهي وشوارع وهران الباهية مرتعا وحضنا لصعلكته، فجذبه رنين الحداثة، فصادق الأستاذ الكبير بختي بن عودة، فازدادت معرفته وثقافته، نظير حضوره لتلك المسامرات واللقاءات التي كان يعقدها بختي بن عودة مع النخب الثقافية، بمن فيهم الشاعر ميلود حكيم والكاتب عبدالوهاب بن منصور وغيرهم، فانعكس ذلك على مقروئيته وتبنيه الإيديولوجي، فاصبح مولانا الهاملي حداثيا؛ غير أن أيام وهران لم تكن عسلا بالكامل.. فقد عاش ذكريات الجيب المثقوب كما يقول في شذراته السيروذاتية، نظير ما كان يسرف على نفسه في استطابة لذيذ ليالي وهران..
يبدو أن وهران استنزفته، للحد الذي أجبره على تدبّر العمل والمورد بها، لعله يطفئ جذوة حرقتها الليلية، فاشتغل بجريدة الجمهورية محررا صحفيا، فكسب بذلك تمارين كتابية، أهلته لأن يكون كاتبا مقتدرا.
صوت الرصاص الطائش والقنابل المفخخة الغادرة، واغتيالات رؤوس الفكر الحداثي بوهران، بمن فيهم صديقه الحميم المرحوم بختي بن عودة، نغّص على صاحبنا زهوة وهران وبريق عربدتها الليلية، ففرّ بلحمه نحو زاوية من الزوايا الجغرافية البعيدة من وطننا الحبيب، حيث استقرّ بتندوف سنة 1997، وتوظّف بها إطارا بمديرية الثقافة، ليعين سنة 2013 مديرا للمكتبة العمومية بها، فوجد أخيرا رفيقنا وكره وعشّه.
تمثّل الكتابة والشعر، بالنسبة لعبدالله الهامل، ذلك التيه الصوفي المستباح في رق وحمادة الصحراء، يلبس الوحشة والوحدة والمفازة؛ ثوب السؤال الوجودي المستفز.. فهو يكتب بلون خاص.. كما يحاول أن يجعل لتجربته الشعرية تفرّدها وهويتها الهاملية الخالصة، بحيث يتماهى الشعر ويندسّ في كتاباته، للحد الذي يربك المتلقي في إيجاد الحد الفاصل بين فوارق التجنيس الكتابية.. فوق هذا يمتلك لغة عفوية آسرة.. يبسّط اللغة.. أو قل عنه؛ يفصّح العامي، حتى ليغدو لك مقبولا لو قُرِأ على قبر سيبويه.
تتوزّع جهود عبدالله الهامل في عالم الكتابة، بين الشعر كمحراب وملاذ، والترجمة المسرحية، وكتابة المقالة، والسيرة. من إصداراته الشعرية المتميّزة، (كتاب الشفاعة)، الذي صدر عن منشورات الاختلاف، وكذا (صباحات طارئة) الصادرة عن دار ميم، أما في حقل الترجمة والمسرح، فله عدّة نصوص مترجمة، منها مسرحية (عمود النار) لبيري، و(جزيرة العبيد) لماريفو، و(نهاية اللّعبة) لصنويل بيكيت، فضلا عن اشتغاله بالإعلام الثقافي بجريدة الجمهورية، وكتاباته السيروذاتية على صفحته الفيسبوكية.
عرفتُ عبدالله الهامل بداية في عالم الافتراض، حيث وجدتني منجذبا لصداقة ذلك الصحراوي الذي يشبه ذاتي، بعدها توطّدت بيننا أواصر الصداقة، حتى كان اللقاء الأول بملتقى راهن الأدب الجزائري بمدينة الجلفة، الذي كان يسهر على تنظيمه الرفيق بن ساعد جلولي، وكُرّم فيه أستاذنا الكبير مخلوف عامر. ما يمكنك أن تسجله من انطباع، بين الافتراض والواقع في معرفة شخصية عبدالله الهامل؛ أن البساطة تظل رسم عنوان، والتواضع تعليق نيشان، ونقاء السريرة رأس تيجان.. هذا هو عبدالله الهامل كما عرفته وبلا مساحيق..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.