- الشباب بحاجة إلى الدعم وفرص من أجل الظهور - من يتذكر عبد الحليم رايس ؟ سعيد حلمي هو أحد فرسان المسرح الذين أسهموا بقوة في تعزيز المشهد الثقافي الجزائري عبر سنوات طوال .. ، حلمي ابن منطقة أزفون التي تميزت كمهد أمدّ الجزائر بعدة أسماء تعتبر من القامات العملاقة في الأدب والفن على غرار الطاهر جاووت، محمد حلمي، الحاج محمد العنقا، العنقيس وغيرهم ..، لا تزال ذكريات الخشبة تغازل عقله بين الحين والآخر ، وتجعله يحنّ لمحبيه الذين لم ولن ينسوا أعماله التي قدمها إلى جانب بشطارزي خاصة، وهذا ما أكده خلال الحوار الحصري الذي خص به جريدة الجمهورية ، حيث تحدث بكل أسى عن واقع الفن الركحي ومآلاته في ظل عزوف الجمهور عن القاعات و غياب سياسة ناجعة لتطوير العروض ودعم الشباب ، كما كشف عن سبب اعتزاله للفن و أهم الذكريات التي لا تزال تسكن مخيلته وقلبه معا ، فضلا عن تصريحات حصرية أخرى عن واقع المهرجانات . - الجمهورية : ما سبب غيابك عن الساحة الفنية ؟ وكيف هو حال الثقافة اليوم في نظرك؟ - سعيد حلمي : سؤال مؤلم جدا ، لأني لا أدري أين هي الثقافة ؟ هل تزال موجودة في شوارعنا ومنازلنا وحياتنا العامة . أم أنها حذفت تماما من القاموس !!، وسبب غيابي عن الساحة هو أنني اعتزلت المجال نهائيا برغبة مني ، و الشيء المهم بالنسبة لي أني موجود كإنسان ، ورجل مسرح راض عما قدمه في مسيرته الفنية ، و سعيد برصيده الذي تقاسمه مع كبار الفنانين والمخرجين و المنتجين ،و اليوم لا أدري هل الفن هو من هرب مني أم أنا الذي خنته .. !! . المسرح أعطاني الكثير ومنحني السعادة الأبدية ، عرفت من خلاله أسماء راقية في الثقافة والسياسة ، و أهم شيء كنت قريبا من الجمهور . أول فنان قدم عروضا في السجن - ما هي أجمل ذكرى تحملها عن المسرح ؟ - الحمد لله اليوم أحتفظ بذكرياتي حول المسرح و أشتاق لوقوفي على ركحه ، أنا راض جدا عما قدمته بمسارح بشطارزي و مجوبي و علولة ، أما اليوم فلا أنتظر شيئا من أحد، أعيش حياتي طبيعيا بعد اعتزالي للفن، ولا أحمل في قلبي سوى لحظات رائعة ، فلم يأت في بالي صراحة أنه في يوم ما سأتأسّف على حال هذه المهنة التي أعطتني أياما من السعادة وأهدت لي بسمة الشعب الجزائري. - هل هناك جدار بين المسرح والجمهور ؟ - سؤال لا أستطيع الإجابة عنه ، ولا أعتقد من يستطيع فعل ذلك ، ما أؤكده أن الخشبة كانت موجودة وبقوة في زمن مضى ..زمن جميل عرفنا فيه التألق و تنفسنا فيه الفن الأصيل ..نعم كان لدينا مسرح و أيضا سينما ، أحب من أحب وكره من كره ، أما اليوم فقد وصلنا إلى مرحلة صعبة ومعقدة، لا نعلم صراحة مصيرها ولا أسبابها ولا حتى نتائجها، و أسوا ما في الأمر أننا نقيم الأشياء استنادا على الماضي الذي صرنا نربط به تاريخنا وأعمالنا ومنتوجنا ، سواء في الثقافة أو السياسة ؟ أين الحاضر في كل هذا ، هل حذف من القاموس يا ترى وما مصير المستقبل . ما يجهله الكثير من مسؤولي الثقافة و الفن أن المسرح مدرسة كبيرة الفائدة منها جلب الجمهور ولفت انتباهه وإقناعه ما يشاهد على الركح، و التأثير فيه، فالفنان أكثر متا يتوق إليه هو تجاوب المتلقي معه على مدار ساعة ونصف كاملة، ونحن صراحة ما نقتقد إليه في مشهدنا المسرحي هو غياب سياسة استقطاب الجمهور ، علينا ألا ننتظر قدومه إلى القاعة بل نحن من نذهب إليه أو نجعله يأتي برغبة منه، فالجمهور موجود وبكثرة لكنه يحتاج لمن يوجّهه، فقاعة بدون جمهور أسوا ما يتعرض له الفنان المسرحي ، وأنا مثلا الفنان الوحيد الذي لعبت في سجن « الحراش « أمام عدد هائل من المحبوسين ، وكم كانت فرحتي كبيرة وشعوري بالامتنان أكبر، فدخول المسرح إلى السجون له طباعه الخاص لا مثيل له. كيف كان وضعنا قبل التقشف ؟ - هل تعتقد أن رموز المسرح الجزائري أخذوا حقهم من الاهتمام ؟ - لا نملك اليوم الحق في نسيان رموزنا و العمالقة الكبار الذين ساهموا في تألق المسرح الجزائري ورسموا معالمه ، فمثلا عبد الحليم رايس لم نساه الناس؟ ، علينا ألا ننتظر المناسبات لنحتفي بهم ، بل علينا أن نخلق مناسبات لنتذكرهم .. !! - في رأيك ماذا قدمت المهرجانات للثقافة ؟ - صراحة لا أؤمن أبدا بالمهرجانات ، و أكثر ما يوترني فيها تلك الندوات التي تنظم حول المسرح ، عندما يتفنن المحاضرون في الكلام و الخطاب المثالي الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع، نحن نريد نقاشا جادا وتبادلا للآراء بعيدا عن الدروس والتنظير، نريد حلولا للخروج من قوقعة الركود التي نعيشها اليوم و سبلا تجعلنا ننهض من جديد ونعود إل سابق عهدنا أيام الزمن الجميل ، علينا أن نكون واقعيين ما فائدة المهرجانات ؟ وماذا قدمت لنا نحن كفنانين وكقاع ثقافي ؟ صراحة لا شيء سوى التهريج و الوقوف أمام الكاميرا و الإعلام .فأنا لست هنا لسماعك فقط ، بل لأناقشك. - هل تعتقد أن سياسة التقشف أثرت كثيرا على الفن الركحي؟ - السؤال المطروح اليوم ، كيف كان وضعنا قبل التقشف ؟ وماذا قدمنا للفن والمسرح و الثقافة كمبدعين ومؤسسسات ؟ صراحة أنا أؤيد سياسة ترشيد النفقات التي انتهجتها الدولة من خلال توقيف بعض المهرجانات التي لم تفد القطاع في شيء ولا حتى الفنانين، بل كانت مجرد بهرجة وتبذير للأموال، فعندما تمنح الجهات المعنية ميزانية محددة لتظاهرة ما ، فهي أكيد تنتظر أن تستفيد منها فكريا. - هل هناك مواهب شابة لفتت انتباهك في مجال التمثيل ؟ - هناك مواهب تمثيلية رائعة جدا ، تخرجت من المعاهد ودرست بجدّ حتى تعتلي الركح ، لكن للأسف لم تأخذ فرصتها ، بسبب غياب الإنتاج، في الواقع أتعاطف جدا مع هؤلاء الشباب الذين يملكون كل صفات الجمال و الثقافة و الاحترافية ، ويقضون وقتهم في انتظار فرصة للحصول على دور في عرض ما ، وبالمناسبة هناك شاب موهوب جدا بل محترف اسمه « زايدي « ، شاركني في مسرحية ارتجالية قصيرة ، هذا الشاب يملك قدرات خارقة على المسرح. وعليه فأنا أقول لهؤلاء الموهوبين أحبوا هذه المهنة ، فالمسرح أجمل ما في الوجود .