الساعة الآن الرابعة فجرا ، إنها فرصتي اليتيمة لأحبك ،حين يقف الزمن على حياد، قبل أن يستيقظ الساسة ومعدّي نشرات الأخبار وقبل أن يعبّئ الجنود ذخائر الموت وتحدد الطائرات أهدافها فرصة أن أحبك أسرقها الآن قبل أن تنتفض الأنقاض وتستفرغ جثثها الأرض ويتساقط دمع الأمهات، أريد أن أحبك قبل أن يصبح الجوّ غائما بدخان المدافع وقبل أن يمتد السحاب. قبل أن يطول طابور النازحين ويبتلع البحر سبعون أيلانا ،سأحبك الآن وأنا أقتصص من خرائط الوقت مساحة ساعة غير مسلّحة بالحرب ووحشة المصير أضعك الآن أمامي قطع من الأحجيات، أرتكب اليقظة في ليل عينيك لأجل أن يكتمل النور وأخرج من جيب الوقت بذاكرة خضراء، أنا التي أوهمت قلبي بأننا قد تجاوزنا عمر العشق وعاندنا الزمان بعصا الكبرياء ،نذكرك حين مررت لتضرب بكل الظنون والتجارب والسنين والصبر والكبرياء، تطيح بنا صغيرين نحبو اتجاه يديك ونبحث فيك عن كل معاني الحياه. أحبك الآن هنا بكل غرور الريح وثبات الصحراء، أحبك من إمارة أبو ظبي أحبك في شوارعها ومقاهيها، على الأرصفة والحانات وفي ساعات عملي الطويلة جدا، أحبك ولا أرى في الأمر شك ولا في الشعور ريب، أحبك ككل النساء الحالمات، بكل غرائز وفطرة الكون، أحبك بلا خطط ولا أهداف ولا نهايات، أحبك كرمز أسطوري ، كعشقي لحكايا أبي، أحبك بحجم ما تمنيت أن أكون في بلدي حرة وبقدر ما زُرعت على نحور العشاق رماح القبيلة ، أحبك وأنا ألهو بين حارات غرناطة البعيدة ، أحبك بقدر ما ناح بنو أمتي على ضياع الأندلس،, أحبك كل ما مرت بالقلب عاصفة وكلما عوى ذئب منفرد في ذاكرة الراعي أحبك حين تثور الصحراء في وجه الريح ، تبا أنا لست غابة لن تقتصي لي غصنا ولن تجزي لي رأسا ، أحبك في أرض ترخي عليها الشمس أجنحة التعب، أحبك في سفري الطويل وفي وعود السلام، أحبك في بحثي عن الحقيقة وفي جدالات المادة والكون والانفجار العظيم وتعاقب الحضارات . أحبك في تضرعي وتهجدي ووحدتي ، في محراب الأمنيات، أحبك بكل تمردي، بكل خوفي وبكل أحكامهم المسبقة،أحبك وأنا مكفهرّة كساحة إعدام ، محاصرة كأسير ومتعبة كطفل شوارع، أحبك وأرى أننا الوجه التراجيدي من العالم، أننا بالأصل أصل المأساة ، أحبك في أول درس علّمتني -كوني حرة_ في يدك التي تدفعني لأرقص وحيدة ، لأطير ، لأصير فراشة وحقول ، أحبك في ثقتك بي ، في حسن استماعك لي، أحبك في ساعات الفرح الطويلة ، في عناق المطار الأخير ، أحبك وأنا أغادر البوابات وأسافر مع الغيم وأحط في بلاد الله الرحال ، أحبك في رسائل المساء في أغاني نجاة في صوت كاظم في فناجين قهوتنا ، في شارع الحبيب بورقيبة، أحبك في رصيف العمر حين تمسكني كطفلة تائهة، احبك في خصاماتنا الطويلة في مساءل الرياضيات وحين أنسى من أكون ومن تكون ,أحبك حين أشد الرحيل إليك وحين ُتخرج المسافات لسانه، أحبك حين يعرقلني الطريق ويكسر القدر كل المحاولات ، أحبك وأنا أبحث عن مخرج طوارئ وعن جواب لسؤال يندفع لعقلي كالرصاصة ، بماذا سنواجه الشهداء لو توصّل إلى الصلح طرفا الموت ؟,حسنا الغيب وحده يحتكر كل الحقائق ، أحبك الآن وقد بدأ النور يسطع ، وبدأ العد التنازلي لغياب الحياه ، أود قبل أن يغيّبني الموت أن أخبرك أن حبك كان انتصاري الأوحد ، إنتصاري حين كان كل شيء يهزمني ويرديني شظايا عدم .