- أدركن مبكرا الوضعية الصعبة التي كان يعيشها الجزائريون في ظل الهيمنة الاستعمارية فحملن أرواحهن على أكفهن فداءا للوطن والدين وخضن نضالا شرسا جعلنه بصبغة "نسائية". فعلاوة على مشاركة إخوانهن الرجال مسيرة الكفاح بكل بسالة و إقدام شكل تسلحهن بالعلم "دافعا أكبر" لخدمة الثورة الجزائرية المجيدة بطريقتهن الخاصة. قصدن المداشر والقرى، إلتقين بنساء و شباب و أكدن للجميع أن المحتل الفرنسي ليس قدرا محتوما على الجزائريين، و أن للحرية ثمن يجب دفعه من أجل غد أفضل.
---هن كثيراث و من هن الشهيدات المنحدرات من ولاية قسنطينة...
نفيسة بلكحل و لويزة ذباح و رقية غيموز اللواتي تتحدث عنهن المجاهدة ليلى سديرة شقيقة الشهيدة نفيسة بلكحل ابنة لعروسي بلكحل عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمناسبة اليوم الوطني للشهيد المصادف ل18 فبراير من كل سنة. واعترفت هذه المجاهدة التي تفرغت في الوقت الراهن للون آخر من النضال غايته على وجه الخصوص توعية و تحفيز الشباب على حب الجزائر "لقد تشبعنا منذ صغرنا بالروح الوطنية بحكم أن والدي كان من أصدقاء العلامة المصلح عبد الحميد بن باديس كما كان منزلنا العائلي المتواجد بحي فوبور لامي سابقا +الأمير عبد القادر حاليا+ مركزا ثوريا للمجاهدين و الفدائيين". وعادت ذات المجاهدة بشريط الذكريات إلى الخلف بأكثر من 70 عاما حيث ذكرت بأن "روح الوطنية و الذكاء و سمات القيادة ظهروا منذ سن مبكرة لدى شقيقتها نفيسة التي درست إلى غاية حصولها على شهادة نهاية الدراسة التي شكلت آخر مرحلة دراسية مسموح للجزائريين وصولها في ذلك الحين لتتجه نحو مدرسة تعليم الخياطة حيث تحصلت بنجاح على شهادة في الاختصاص". "تخصص نفيسة في الخياطة لم يمنعها من النضال الذي بدأته خلال سنتي 1955 و 1956 و ظل كفاحها سريا حتى على أفراد الأسرة إلى أن عثرت الوالدة الراحلة في أغراض نفيسة على قنبلة يدوية و هو الأمر الذي لم يعارضه أبدا والداها"، لافتة الى أن "اطلاع أفراد الأسرة على العمل النضالي لنفيسة زادها إصرارا و تفانيا من خلال جلب الرسائل و الأدوية و المؤونة و خياطة الملابس العسكرية للمجاهدين". "و بعد أن ساهمت في عملية القضاء على أحد الضباط الفرنسيين و الاستيلاء على سلاحه و سيارته من نوع جيب اضطرت نفيسة للالتحاق بالجبال"، حسب ما أضافته ذات المجاهدة التي مثلت النساء العربيات في الندوة العالمية للنساء من أجل السلم في يونيو 1967 بكندا. واستنادا للسيدة سديرة فإنه "في ديسمبر 1957 و بعد إلقاء القبض على أحد المجاهدين المنتمين إلى الخلية التي تضم عائلة بلكحل من طرف عساكر الاحتلال و تحت تأثير التعذيب الذي تعرض له أفشى بأسماء المنخرطين فيها و من بينهم نفيسة حيث تم اعتقال كل من الأب لعروسي والشقيقة ليلى و نفيسة التي تصادف وجودها في المنزل العائلي يوم العملية التفتيشية و تم وضعهم في مركز حي أمزيان", مردفة و كلها تأثر "لقد تعرضنا لأسوأ أنواع التعذيب حيث تم فقأ العين اليمنى للوالد لتصاب فيما بعد عينه اليسرى بالعفن و يفقد بصره كليا". و واصلت السيدة سديرة "بعد إطلاق سراح نفيسة لم تتوقف عن العمل النضالي و عملت كفدائية بمدينة قسنطينة لتعاود الصعود إلى الجبل بعد اكتشاف أمرها في 1961 و ظلت مع إخوانها المجاهدين تناضل كمرشدة و كممرضة و محررة للرسائل إلى أن استشهدت في شهر يناير من سنة 1962 خلال معركة بمنطقة العنصر (ولاية جيجل) بمعية مجاهدين (2) آخرين و عمرها لم يتجاوز ال26 عاما". وأوضحت قائلة "إن أكثر ما حز في أنفسنا أننا لم نعلم بخبر استشهاد نفيسة سوى عقب الاستقلال فقد أخبرنا في البداية رفاقها في الجهاد بعد نزولهم من الجبال مجرد الإعلان عن وقف إطلاق النار بأنه تم استدعاؤها لمهام أخرى و ذلك خوفا على مشاعر والدي".
---لويزة ذباح و رقية غيموز تخليتا عن مقاعد الدراسة من أجل المسار النضالي---
و واصلت المجاهدة ليلى سديرة شهادتها : "كان لدى والدي محل بالطابق السفلي للبناية التي تحتوي على مدرسة التربية و التعليم التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين آنذاك و بحكم زيارتي المتواصلة لوالدي لمساعدته في عمله على اعتبار أن والدي لم يرزق بالذكور تعرفت على لويزة و رقية و كنا نتنافس فيما بيننا حول من تتقن تقليد مذيعي صوت القاهرة آنذاك". وحسب ذات الشهادة "قبيل إلتحاقهن بالجبال بيوم واحد دعوت 7 طالبات من مدرسة التربية و التعليم إلى منزلنا الأسري من بينهن لويزة و رقية و تحدثنا في جميع الأمور إلا الثورة حفاظا على السر و في اليوم الموالي لم تلتحق الفتيات السبع بالمدرسة و هو ما أثار حالة استنفار بالمؤسسة التي قامت السلطات الاستعمارية بغلقها فيما بعد لمدة تجاوزت السنتين". "و سرعان ما أكتشف أمرهن", تضيف ذات المتحدثة , مشيرة إلى أنه "من أكثر ما مميز لويزة التي كانت يتيمة الأبوين أنها كانت مقدامة حيث سارعت يوم استشهادها لتقوم بدور المسبل الذي كان يفترض أنه يعاين الطريق قبيل مرور المجاهدين وبينما حاول رفاقها منعها انفجر أحد الألغام المزروعة و استشهدت في جبال القل بسكيكدة سنة 1958". "أما رقية غيموز التي كانت تنتمي لعائلة ميسورة الحال حيث كان والدها يملك محلا تجاريا بحي الرصيف فقد استشهدت في اشتباك مع العدو بمعية 5 مجاهدين سنة 1960" و هي العملية التي أسفرت -إستنادا لنفس المصدر- أيضا عن مقتل 13 جنديا فرنسيا.