باحتفالنا بالذكرى 51 من الاستقلال والسيادة الوطنية وجب الوقوف على أهم محطاتها لاستحضار الانجازات التي حققت واستذكار التضحيات التي بذلت ومن صنعوها ويحق لنا نحن الجزائريين أن نفتخر ونرفع هاماتنا عالياً بما قدمه لنا أبطالنا وحتى يومنا هذا, إلى الأجيال المتعاقبة ليرى الجزائريون وطنهم يتنفس الحرية رغم ظلم العدو الفرنسي الذي دام 132 سنة. وفي هذه الذكرى وجب استحضار فئة ساهمت وكانت سندا قويا بالنفس والنفيس بالمال والرجال التي ساهمت فيها حرائر الجزائر حيث يثار اليوم جدل كبير في جميع أنحاء العالم, خاصة منه العربي الإسلامي حول دور المرأة في المجتمع, فتعددت الرؤى واختلفت بين مغال يرى أن دورها لا يجب أن يتعدى حدود البيت وبين آخر يرى أن إقحامها في جميع مناحي الحياة الاقتصادية السياسية والاجتماعية ضرورة لا بد منها للنهوض بالمجتمع إلا أن للتاريخ قولا آخر وحكما في هذا المجال, فالمرأة الجزائرية ممن حكم لهم التاريخ, فقد نقشت أسماء الكثيرات منهن في سجل التاريخ بأحرف من ذهب, خاصة إبان الثورة التحريرية، لذا ارتأت "الاتحاد" أن تسلط الضوء على تاريخنا المجيد والذي كان ولايزال قدوة لكثير من الشعوب التي تطمح للحرية بتسطير الأمجاد والبطولات لتكون بذلك المرأة مدرسة في الثورة التحريرية. نساء لن يكررهن التاريخ ثمطوث،أخت رجال، راجل ونص كلها ألقاب نسبت لنساء ليسن ككل النساء وبقيت وسام على صدورهن حتى بعد وفاتهن، نساء كن سندا للرجال والبلاد رفعوا اسم الجزائر عاليا ورفرفت النجمة والهلال بفضلهن هم نساء انتسبن لثورة المليون ونصف المليون شهيد هن بدون شك نساء الجزائر اللائي كن ولا يزلن مثالا للشجاعة والتضحية والبطولة لكل النساء في العالم واللاتي يتطلعن إلى الحرية، وقفن في وجه الظلم والاستبداد ضد المستدمرالفرنسي فضحين بالغالي من أجل الحرية وجب الوقوف عندهن والترحم على أرواحهن،حسيبة بن بوعلي،وريدة مداد لالا فاطمة نسومر.. وأخريات. ثورة نوفمبر 1945 تزيل الفروق بين الرجل والمرأة فثورة نوفمبر 1954, أزالت الفرق الموجود بين الرجل والمرأة اتجاه الواجب المقدس تحرير الوطن, حيث أطلقت العنان للقوى الكامنة فيها, فالتفت حول جبهة وجيش التحرير الوطني, وقامت بأصعب المسؤوليات وأخطر العمليات الفتاة والمرأة عموما في الجزائر قامت بواجبها كاملا. حرائر الجزائر في الميدان العسكري عند اندلاع الثورة التحريرية تلمس مساهمة المرأة الجزائرية الواضحة في المجال العسكري، وذلك من خلال جيش التحرير الوطني انطلاقا من دورها البارز في التجنيد حيث تشكل جيش التحرير الوطني في بداية الأمر من كتلة الفلاحين الذين فروا من تنكيل الجيش الفرنسي الذي عمد إلى إتلاف محاصيلهم ومنعهم من ممارسة نشاطهم الزراعي، وكان غالبية المجندين من سكان الأرياف، أما سكان المدن فقد كان معظمهم من العمال بمختلف مهنهم حرفيين، ميكانيكيين وبنائين وسائقين، بالإضافة إلى قدماء المحاربين الجزائريين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية، ومعظم هؤلاء يمثلون للمرأة الجزائرية الزوج والابن والأب والأخ والقريب، وقد ضحت المرأة الجزائرية في هذا الجانب إذ دفعت بهؤلاء إلى جيش التحرير الوطني وتحملت لوحدها مسؤولية الأسرة وتربية الأبناء، وبالرغم من أن مشاركتها في التجنيد عند اندلاع الثورة التحريرية كانت بصفة غير مباشرة، إلا أن تضحيتها كانت جسيمة فبفضلها تشكلت النواة الأولى لأول تنظيم عسكري للثورة الجزائرية. كانت مشاركة المرأة واضحة في جيش التحرير كمجاهدة تحمل السلاح، لكن هذه الأخيرة لم ترق في الرتب العسكرية بالرغم من مشاركتها الفعالة حتى في المعارك التي خاضها جيش التحرير ضد قوات العدو الفرنسي وقد أشاد مؤتمر الصومام بمساهمة المرأة في الثورة وثمن دور الحركة النسائية على العمل الباهر المقدم لجيش التحرير وجبهة التحرير الوطني الذي قدمته هذه الأخيرة كمجندة في الجبال أو كزوجة تعيل الأبناء، وكانت قناعتها أن الثورة ستنتهي لا محالة بالحصول على الاستقلال، وقد حصر مؤتمر الصومام في تقريره الصادر سنة 1959 دور المرأة الجزائرية. المجاهد يشد المرأة الجزائرية لطالما افتخرت حرائر الجزائر بالمجاهد الذي يدافع عن وطنه وعن عرضه، حتى أن الكثير من النسوة كن يفضلن الزواج بالمجاهدين المشبعين بالأفكار والروح الوطنية ورفضن الزواج بمن لم يكن مجاهدا في سبيل تحرير الوطن وقد ركزت الكثير من الدراسات التاريخية على المساهمة العسكرية للمرأة في الثورة التحريرية على بعض النسوة اللواتي لعبن دورا أساسيا فيها، لكن هذه الدراسات أهملت المرأة الجزائرية بصفة عامة، لاسيما المرأة الريفية، وفي هذا المجال يمكن أن نقف عند بطولات سجلتها بعض النسوة اللواتي ساهمن عسكريا في الثورة بطريقة غير مباشرة. إذ لاقت المرأة الجزائرية في الريف كل أنواع التنكيل الجسدي والنفسي من قبل الجنود الفرنسيين،وكانت سياسة الاغتصاب من الأفعال المتكررة التي تلجأ إليها القوات الفرنسية، وفي هذا المضمار يقول أحد الضباط: "اغتصبوا، لكن افعلوا ذلك بكل سرية ودون إفشاء الأمر فهذا العمل يعد جزءا من غنائمنا، بل مستحقات لابد أن تكون"، وهذه السياسة كانت تنفذ تحت إمرة كبار الضباط الفرنسيين دون أن يكون لها عقاب، أو تثار كمشكل أخلاقي داخل الجيش الفرنسي. وكان المجند في جيش التحرير يعد في نظر المرأة الجزائرية رمزا للكرامة والبطولة، والذي لا يلتحق بالثورة يوصف أحيانا بالجبن، وينظر إليه على أنه لم يقدم شيئا لوطنه، وكان المجاهد الذي يعود إلى بيته وتراوده فكرة عدم العودة من جديد إلى الجبل، يجد تعنيفا من زوجته التي تحثه على العودة إلى ساحات القتال لمواصلة الجهاد وكثيرا ما عايشت هذه المرأة اختطاف الأب أو الأولاد أو اعتقالهم، وكانت عرضة في الكثير من المرات إلى استفزازات جنود الجيش الفرنسي. شهادة العدو على شجاعة المرأة الجزائرية كتب أحد الجنود الفرنسيين أثناء الثورة الجزائرية في مذكراته فقال: "عندما كنا نقوم بعمليات التمشيط و مداهمة القرى و الجبال للبحث عن المجاهدين في كل مرة...ما كان يحز في قلبي و يشعرني بالخجل من نفسي هو ردة فعل النساء الجزائريات، حيث كن يهرولن و يهربن بسرعة البرق نحو إسطبلات الحيوانات عند رؤيتنا ويقمن فورا بتلطيخ أجسادهن بالروث و فضلات الحيوانات لكي نشمئز منهن عند محاولة اغتصابهن و لا نقربهن بسبب الرائحة الكريهة التي تنبعث منهن بفعل الروث". حقا صورة لن تغادر ذهني ماحييت و تجعلني أكن إحتراما لهؤلاء اللاتي قمن بالسباحة في الروث لأجل شرفهن". تاريخ الثورة يحتفظ بأسماءهن لا ننسى شهاداتهن ودور عديد النساء الأخريات من القرى والأرياف اللاتي قمن بخدمة الفدائيين والمجاهدين بشكل متفان وبوجه كامل، على غرار إعداد الخبز والأكل لتزويد المجاهدين في الجبال، وكذا استقبالهم في بيوتهن في سرية تامة، بالإضافة إلى اشتغال بعضهن في التمريض أو وضع القنابل وغيرها من الأعمال الجديرة بالذكر، النساء التي لازلن رمزا للتضحية والشموخ، من بينهم زهرة ظريف بيطاط، لويزة اغيل احريز، باية لعريبي وغيرهن كانت هناك الكثير من الأغاني الشعبية والأناشيد الثورية التي ترددها المرأة الجزائرية من أجل رفع معنويات المجاهدين، ونجد الكثير من النساء تبرعن بما يملكن من أموال وحلي وحتى بمهورهن أحيانا لصالح الثورة الجزائرية، وقد تكلفت الكثير من النساء بمهمة جمع التبرعات لصالح الثورة المرأة الفدائية نجد الكثير من النسوة كلفهن جيش التحرير بتنفيذ عمليات محددة ومعينة خاصة في المقاهي والأندية التي يرتادها جنود الجيش الفرنسي، وقد تجلت هذه العمليات في معركة الجزائر، وكانت المرأة الفدائية تضع القنابل بنفسها في المناطق المستهدفة، وتنقل الذخيرة في المدن وأحيانا تتشبه بالمرأة الأوروبية في لباسها وشكلها من أجل تحقيق مهمة كلفتها بها الثورة ممرضة للمجاهدين وقد استفادت الثورة الجزائرية من مساهمة المرأة في هذا المجال، فالكثير من النساء كن ممرضات يقدمن الإسعافات الأولية لجنود جيش التحرير، وقد كان لهؤلاء النسوة نشاط بارز حتى قبل اندلاع الثورة الجزائرية، ويذكر الكثير من المجاهدين أن المراكز الصحية لجيش التحرير الوطني كان بها الكثير من المجاهدات اللواتي كن يقدمن الإسعافات للمجاهدين الجرحى أو حتى للمدنيين ضحايا العدوان الفرنسي حرائر الجزائر في سجون العدو تعرضت الكثير من المجاهدات الجزائريات إلى الاعتقال والتعذيب من طرف القوات الفرنسية بسبب مشاركة هؤلاء في الثورة بصفة مباشرة وغير مباشرة، وفي هذا المضمار نذكر المجاهدة "جميلة بوحيرد" التي ألقي عليها القبض في القصبة بالجزائر من طرف قوات المظليين التابعة للعدو الفرنسي، وقد مورست عليها كل أشكال التعذيب، وخضعت لمحاكمة غير عادلة ولم يثن ذلك من عزيمتها الثورية وظلت صامدة في وجه آلة التعذيب، وقد لقيت محاكمة هذه البطلة ردود فعل قوية في الداخل والخارج، وتكلم الإعلام الخاص بالثورة أو حتى الإعلام الأوروبي على هذه البطلة، وخرجت مظاهرات في العديد من الدول مستنكرة سياسة التعذيب الفرنسي مدعمة الثورة الجزائرية لم تكن السجون في الجزائر وخارجها مخصصة للرجال فقط إنما شملت النساء كذلك,ومع ذلك فإن السجون الخاصة بالمرأة الجزائرية خطيرة إلى درجة رهيبة من الصعب على المرأة احتمال أعمال زبانيته. لعبت المرأة الجزائرية إبان الثورة التحريرية دورا رياديا، فكانت المجاهدة بمالها ونفسها والفدائية والمسبلة والمناضلة التي قامت بواجبها بكل إخلاص، وشملت تضحيتها كل الميادين، إذ كافحت قوات العدو الفرنسي في الأرياف والجبال والمدن والقرى كجندية في جيش التحرير، كما عالجت المرضى والجرحى من المجاهدين في المراكز الصحية، وتعرضت إلى السجن والاعتقال والتعذيب والتنكيل والاغتصاب، فكانت مثالا لكل نساء العالم في التضحية والفداء الآثار السلبية الناجمة عن معاناة المرأة الجزائرية لقد نتج عن معانات المرأة من القمع و السجن جملة من الآثار السلبية العميقة وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال تقدير الوضعية المأساوية التي ألمت بها فقد قاست المرأة من عمليات التمشيط في القرى و المد اشر وحتى المدن مما كوّن لها هاجسا وكابوسا مرعبا،مازالت أثاره إلى اليوم, ومنهن من اعتقلت وعذبت وحسبت،لذلك ترسخت في ذهن الأحياء هذه الذكريات الأليمة التي انعكست سلبا على حياتهن اليومية بعد الاستقلال حسيبة بن بوعلي كنموذج حسيبة بن بوعلي من مواليد 18 جانفي 1938، بمدينة الشلف، نشأت في عائلة ميسورة الحال، زاولت تعليمها الابتدائي بمسقط رأسها. وبعد انتقال عائلتها إلى الجزائر العاصمة سنة 1948 واصلت تعليمها هناك، وإنضمت إلى ثانوية عمر راسم وإمتازت بذكائها الحاد. ومن خلال رحلاتها داخل الوطن ضمن صفوف الكشافة الجزائرية اطلعت على أوضاع الشعب السيئة وعلى أبواب سنة 1955 ألتحقت حسيبة بن بوعلي بصفوف الثورة التحريرية وذلك بإحضار مواد كمياوية من المستشفى الذي تعمل فيه مع أحد أصدقائها ,في سبيل الحرية استشهادها في 8 أكتوبر عام 1957 استشهدت حسيبة بن بوعلي حين قام الاستعمار الفرنسي بنسف المنزل الذي كان يأويه رفقة علي لابوانت ومحمود بوحميدي وعمر الصغير، فسقط الأربعة.لعبت هذه البطلة دور عظيما فتركت أثرا كبيرا في النفوس وخلدت في التاريخ. المجاهدة جميلة بوحيرد جميلة بوحيرد مناضلة جزائرية تعد الأولى عربياً،إبّان الثورة الجزائرية على الإستعمار الفرنسي لها، في منتصف القرن الماضي. ولدت في حي القصبة بالجزائر العاصمة عام 1935 كانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها فقد انجبت والدتها 7 شبان، واصلت تعليمها المدرسي ومن ثم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل فقد كانت تهوى تصميم الأزياء. مارست الرقص الكلاسيكي وكانت بارعة في ركوب الخيل إلى أن اندلعت الثورة الجزائرية. انضمت إلى جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الاحتلال الفرنسي وهي في العشرين من عمرها ثم التحقت بصفوف الفدائيين وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي، ونظراً لبطولاتها أصبحت المطاردة. قصة نضالها ضد الاستعمار كان الطلاب الجزائريون يرددون في طابور الصباح فرنسا أمناً لكنها كانت تصرخ وتقول: الجزائر أمناً، فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح وعاقبها عقاباً شديداً لكنها لم تتراجع وفي هذه اللحظات ولدت لديها الميول النضالية. انضمت بعد ذلك الي جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الإستعمار الفرنسي ونتيجة لبطولاتها أصبحت الأولى على قائمة المطاردين حتى أصيبت برصاصة عام 1957 وألقي القبض عليها. من داخل المستشفى بدأ الفرنسيون بتعذيب المناضلة، وتعرضت للصعق الكهربائي لمدة ثلاثة أيام كي تعترف على زملائها، لكنها تحملت هذا التعذيب، وكانت تغيب عن الوعي وحين تفوق لتقول الجزائر أمنا. وحين فشل المعذِّبون في انتزاع أي اعتراف منها، تقررت محاكمتها صورياً وصدر بحقها حكم بالاعدام عام 1957م، وتحدد يوم 7 مارس 1958م لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الإستنكار من كل أنحاء العالم تأجل تنفيذ الحكم، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر، خرجت جميلة بوحيرد من السجن، وتزوجت محاميها الفرنسي بعد أن أشهر إسلامه في ذاك الوقت.