تحدثت المجاهدة ليلى بلكحل لعروسي للنصر، على هامش فعاليات إحياء الذكرى 63 لثورة أول نوفمبر بجامعة عبد الحميد مهري قسنطينة 2 ، عن فصول نضالها إبان اندلاع الثورة التحريرية، و قالت بأن انتماءها لأسرة ثورية و إقامتها في بيت كان مركزا لتجمع كبار قادة الثورة، جعلاها تنخرط في الكفاح المسلح و هي في سن 16 ، لتقوم بمهمة نقل الأدوية و إيصال الرسائل و الأسلحة للثوار، و تعتبر نفسها جد محظوظة لأنها تعرفت على رجال عظماء على شاكلة العلامة عبد الحميد بن باديس و البشير الإبراهيمي و الشيخ العربي تبسي و غيرهم، مشيرة إلى أنها تعرضت لأبشع أنواع التعذيب الجسدي و المعنوي في سجن أمزيان بولاية قسنطينة، و كانت تشاهد جنود الاحتلال و هم يجردون المناضلات الشابات من ملابسهن، و يغتصبونهن على مرأى من آبائهن. أنا محظوظة لأنني تعرفت على عبد الحميد بن باديس و العربي التبسي المجاهدة ليلى سديرة، ابنة بلكحل لعروسي، قالت لنا بأنها تعتبر نفسها محظوظة لأنها تعرفت على رجال عظماء كالعلامة عبد الحميد بن باديس الذي كان صديقا مقربا جدا ووفيا لوالدها، باعتباره عضو بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و كذا الشيخ العربي تبسي و البشير الإبراهيمي و مبارك الميلي و فضيل أورتيلاني ، الذين كانوا يترددون على منزل والدها بشكل مستمر ، و أضافت «الروح الوطنية مزروعة في عائلتنا ، و من الطبيعي أن أنخرط في ميدان النضال لنيل الاستقلال ، فمنزلنا الكائن بحي الأمير عبد القادر « الفوبور» بقسنطينة ، كان مركزا للثوار من سنة 1955 و إلى غاية الاستقلال ، حيث كان يتمركز فيه مجاهدون و فدائيون و مسبلون ، و يعتبر من مراكز الثورة هنا في قسنطينة» . و تابعت المجاهدة بأن أختها الكبرى نفيسة بلكحل، كانت سباقة للنضال، حيث كانت تعمل بشكل سري ، و لم تفصح عن ذلك حتى لوالدها و والدتها رغم أن هذه الأخيرة كانت تشك في سلوكاتها، فقررت أن تفتش دُرجها فوجدت قنبلة، فاضطرت أن تعترف لوالدتها ، و بعد أن علم بأمرها المستعمر انتقلت للنضال في الجبال، و استشهدت قبل فترة قليلة من الاستقلال و هي في ربيع شبابها. مسار نضالي بدأ بجمع الأدوية و توصيل الرسائل للمجاهدين أوضحت ليلى بلكحل بأنها دخلت ميدان الفداء في قسنطينة سنة 1956 مع خرشي سليمان و عدد كبير من المجاهدين الفدائيين ، على غرار حملاوي و داودي سليمان و علي بسباس و سي محمد بلمرحي ، و كمال بن زراري ، و أضافت "كنا في بداية مشوارنا النضالي و كان المجاهدون يخضعوننا للتجريب و الاختبار، للتأكد من قدرتنا على كتم السر و تنفيذ مهمتنا بنجاح، بعد ذلك كنا نكلف بتوصيل الأمانات و الرسائل، فكنت أجمع رفقة مناضلين شباب و شابات الأدوية لإرسالها للثوار في الجبال و قد كانت الإمكانيات آنذاك جد محدودة ، حيث كنا نتفق مع الأشخاص الذين يعملون في الصيدليات في مجال التنظيف، و نجمع الأدوية التي تستعمل في تنظيف و معالجة الجروح ، و نفرغها في قوارير المشروبات الغازية ، و كنا على اتصال بصاحب مصنع ليقوم بوسمها باسم مشروب الرمان و غيرها، حسب لون الدواء، لتمريرها" .و بينت المتحدثة بأنها كانت تتكفل بنقل الرسائل و هي ترتدي الملاءة التقليدية لكي لا ينكشف أمرها، و لا يرى صاحب المحل ملامح وجهها، حيث كانت تستلم و ترسل الرسائل من أماكن محددة بقسنطينة، كمحل بيع الجرائد بمقهى القفلة أو النجمة حاليا ، موضحة بأنها لم تكن تعرف ما هو مكتوب في الرسالة أو ما هو موجود في العلبة التي تحملها ، و يتم تحديد الوقت و المكان لتسلم الأمانة، مشيرة إلى أن المناضلين كانوا يغيرون مكان التسليم و الاستلام من حين لآخر ، و ذكرت بأنها عملت أيضا مع حلاق بحي الرصيف حاليا و قد وجدت صعوبة حينها في التوصيل، لأن المكان كان حكرا على الرجال ، قائلة « الحلاق الشهم الذي تعاملت معه كان يوهم زبائنه بأنني والدة زوجته و أتيت لأخذ بعضا من المال «. القوات الفرنسية اقتحمت منزلنا و سجنتني أنا و والدي و أختي الشهيدة و عادت المجاهدة بذاكرتها إلى فترة عصيبة من نضالها قائلة» اكتشف المحتل أمري و أنا في 17 من عمري أي في سنة 1957، كما اكتشف بأن بيت والدي مركز للثوار، و ذات ليلة و على الساعة الواحدة بعد منتصف الليل اقتحمت القوات العسكرية الاستعمارية منزلنا و كانت أختي الشهيدة نفيسة لعروسي قد نزلت من الجبال رفقة سي أحمد رقيق في مهمة، و تم سجننا رفقة مجموعة من المناضلين كانوا ببيتنا في زنزانات مركز أمزيان ، و قد فقد والدي البصر حينها ، من جراء التعذيب الوحشي ، و قبعت21 يوما في السجن ، الذي يعتبر مركزا للتعذيب ، و للأسف يعتبر أيضا من كنوز الثورة التي فقدته قسنطينة فقد كان من المفروض أن يحول إلى متحف لتاريخ الثورة الجزائرية».ذرفت المجاهدة الدموع بحرقة عندما تحدثت عن أشكال التعذيب التي تعرضت لها رفقة مجموعة من المناضلات في السجن، موضحة بأنها تعرضت لأبشع أنواع التعذيب المعنوي و كذا الجسدي، حيث تمكن المستعمر الغاشم في السجون من المساس بشرف الفتاة الجزائرية و الاعتداء جنسيا عليها، و كان يتم تجريدهن من الملابس و تعذيبهن بالكهرباء، و عند إصرارهن على عدم الإفصاح عن أي شيء مما يعرفن عن المجاهدين، يهددنهن بإحضار أوليائهن لرؤيتهن عاريات و الاعتداء عليهن ، و كان جنود المحتل يقولون لهن « سنحضر لك والدك للكشف عنك» ، و يتم جلب الوالد في مشهد لا يمكن وصفه أو تخيله، و أكدت بأن هناك مناضلات تعرضن فعلا للاغتصاب على مرأى من آبائهن فأصبن بأزمة نفسية و فقدن القدرة على النطق، مشيرة إلى أنها كانت تتمنى الموت على هذا النوع من التعذيب و الإهانة و الذل، و تحمد الله لأنها لم تتعرض لاعتداء جنسي، فيما تم فقأ عين والدها و أصبح لا يبصر، و تعرضت أختها الشهيدة نفيسة هي الأخرى لأبشع أنواع التعذيب قائلة «صدقوني الاستقلال لم يأت بسهولة، جاء بعد تضحيات جبارة و إلى غاية يومنا هذا لا يزال آباء و أمهات و أخوات الشهداء يبكون أبناءهم و بناتهم الذين استشهدوا بعد تعرضهم لأبشع أنواع التعذيب، و هناك من تم قتلهم و دفنهم جماعيا، و توجد، حسبها، لحد الآن مقابر جماعية لم يتم العثور عليها بعد، و لو تم الحفر لعثر على عديد الجثث، كما أكدت المتحدثة. الجنسية الفرنسية فرضت علينا و لم نكن نرغب في حملها ليلى بلكحل قالت في سياق حديثها بأن الجنسية الفرنسية كانت تفرض على الجزائريين و لم يكونوا يرغبون في حملها، معربة عن أسفها لأن الشابات و الشباب الجزائريين الآن يلهثون لحمل الجنسية الفرنسية و الانتقال للعيش في بلاد المحتل، مضيفة بأن اندلاع الثورة التحريرية لم يكن بالشيء السهل، و كان الدافع إليه هو الظلم و الاحتقار و الذل من طرف المعمر الفرنسي ، و استطردت قائلة «لم يكن لنا الحق في التعليم، فقد كان مسموح لأغلبية الجزائريين بالدراسة في الطور الابتدائي و تسلم شهادة إنهاء الدراسة و يحرمون من الحق في اجتياز امتحان شهادة التعليم الابتدائي، فيما كان للمعمرين الحق في اجتياز امتحان شهادة التعليم الابتدائي التي كانت تسمى بالمسابقة ، و لم تكن آنذاك توجد مرحلة للتعليم المتوسط ، إذ ينتقلون من مرحلة الابتدائي إلى الثانوي مباشرة ، و كل من ينجح ينتقل للدراسة في الثانوية».و تابعت « درست مرحلة الابتدائي بحي الأمير عبد القادر و كذا بمدرسة باستور بباب القنطرة ،و واجهت صعوبات كبيرة، فالأبواب كانت موصدة في وجوهنا، و مديرة المدرسة آنذاك و معلمتي تقولان لي «لا تحلمي فالمدرسة لم تنشأ من أجلك»، و عندما كنت أحمل كراريس القسم و آخذها للمديرة أستغل الفرصة لطلب منها السماح لي باجتياز امتحان التعليم الابتدائي، فتستفزني بطرح هذا السؤال « ما هو اسمك؟» و هذا لا يعني أنها تستفسر لمعرفة اسمي، لأنها تعرفه جيدا، و إنما المقصود من ذلك لا تنسي أنك جزائرية، و قد كان والدي يقول لي بأن أمنيته أن أدرس و أتفوق، فالجزائر وطننا و من حقك التعلم، و قد عانيت كثيرا حتى يسمح لي باجتياز امتحان التعليم الابتدائي « . أحمد رضا حوحو حملني فرحا عندما نجحت في شهادة التعليم الابتدائي و أكدت المجاهدة « بعد ذلك أعلن عن تاريخ الإعلان عن النتائج ، و ذهبت يومها بمفردي لأطلع على النتيجة ، فرأيت زملائي الفرنسيين رفقة أوليائهم و أخواتهم ، و بقيت أنتظر إلى أن شرعوا في الإعلان عن النتائج، فسمعت اسمي ضمن الناجحين ، و لم أصدق أذني ، لحسن الحظ كان الشهيد أحمد رضا حوحو رحمه الله و هو صديق لوالدي ، داخل المدرسة، و سمع اسمي ضمن الناجحين فحملني من شدة الفرح بنجاحي ، و عندما انتقلت إلى الثانوية كنا 9 جزائريات مسلمات و البقية كلهن فرنسيات ، كانت تجلس أمامي في القسم تلميذة فرنسية و والدتها مديرة للثانوية، و كانت لا تحب كتابة الدروس و تغش في الامتحان ، لكنها كانت نحصل على علامة 18 من 20 و أنا أحصل على علامة 2 من 20، مع العلم أنها كانت تنقل إجاباتها كلها من إجاباتي ، و هذا ما جعلني أكره فرنسا و الفرنسيين». فرنسا لن تصبح صديقة للجزائر ختمت المجاهدة حديثها معنا بالتأكيد بأنها تخجل عندما تتحدث عن نفسها و مساهماتها في الثورة، مؤكدة « لدي مبدأ منبعه التربية و المحيط الأسري الذي ترعرعت فيه، لقد قمنا بواجبنا و لا ننتظر شكرا و لا جزاء و كل مجاهد مخلص و طاهر و ملتزم، لا ينتظر أي شيء بعد الحصول على الاستقلال، فأنا أحب أن أخدم بلدي الجزائر و ليس الجزائر هي التي تخدمني ، و واجبي اتجاه وطني لا يحتاج إلى مقابل ، الفضل لله، لقد كانت تضحياتنا عظيمة و تحقق تحرير الوطن ، و لم يكن الأمر سهلا خاصة بالنسبة للشباب و الشابات الذين كانوا في مقتبل العمر، و انخرطوا كمسبلين و فدائيين و مجاهدين من أجل تحرير الجزائر. هناك من ناضل داخل القرى و المدن و هناك من قام بدوره في الجبال ، و الثورة نجحت بالإخلاص و الصدق و الانضباط و السرية و أشدد هنا بأنه من المستحيل أن تكون فرنسا صديقة للجزائر و أنا مسؤولة عن كلامي».