أكد لنا الدكتور محمد بغداد الباحث الجامعي المختص في قضايا الإعلام أن التجربة الإعلامية للقنوات الفضائية الجزائرية تحتاج وهي في مرحلتها الأولى، أن تجد الاهتمام والرعاية من طرف المختصين من الخبراء و الباحثين، حتى يسندوها بالآراء والأفكار الحديثة، التي تجعل منها تتجاوز هذه المرحلة التي تكمن صعوبتها في التعامل مع الموضوع الديني باحترافية، ولكن للأسف نلاحظ أن المكتبة الجزائرية، تكاد تخلو من كتاب أو دراسة خاصة بالإعلام الديني، وينعدم التكوين العلمي في المؤسسات التعليمية، وتغيب التقاليد المهنية والأساليب التدريبية في مجال الإعلام الديني، وما هو موجود مجموعة من الممارسات الخاطئة بالمعنى العلمي والمهني، مما جعل تجربة القنوات الفضائية في الموضوع المادة الإعلامية الدينية تواجه صعوبات وتقع في أخطاء فادحة، وتنجر عنها مخاطر كبيرة ستكون عواقبها القادمة كارثية على المجتمع برمته، مما يتطلب اليوم المسارعة إلى تصحيح الأخطاء وإعادة الاعتبار للممارسة الصحفية وفق المعايير المهنية والشروط العلمية. إن موقع موضوع الإعلام الديني بكل تفاصيله في الإعلام الجزائري عامة والقنوات الفضائية ووسائط التواصل بصفة خاصة، بحاجة إلى الكثير من جهود المراجعة وإعادة الترتيب، (الذهني قبل الميداني)، بداية من بناء الرؤية العلمية وتوفير النظرة المهنية، التي تجعل من الممارسة الإعلامية تملك المصداقية والاحترام المقبول، وتتجنب النتائج والآثار الخطيرة التي تنتج من الممارسة الإعلامية الخاطئة في التعامل مع المادة الإعلامية الدينية، وهو ما يفرض على الهيئات الإعلامية، والفقهاء الالتزام بالشروط المهنية والمعايير الأخلاقية والضوابط العملية في هذا المجال، مما يمكن من تقديم الإضافة النوعية والمنتظرة في مسيرة التجربة الإعلامية الجزائرية، ويساهم في حماية المرحلة الجديدة من هذه المسيرة.
و عن الفتوى المتعلقة بشأن خاص و تذاع عبر وسيلة إعلامية موجهة لمجتمع على أنها حكم شرعي عام عقب محاورنا بالقول " نحن مجتمع يحاول أن ينخرط في الزمن الإعلامي، ويسعى للتكيف مع العالم الرقمي، إلا أن هذا الانتقال يواجه صعوبات كبيرة وتقف في وجهه عوائق كثيرة، وأكبر هذه الصعوبات، ما يوجد في مجال التعامل مع المادة الدينية في الممارسة الإعلامية التي يتم إنتاجها يوميا، والبارز فيها هو موضوع (الفتوى في وسائل الإعلام ووسائط التواصل) مما يجعلنا اليوم نعيش وضعية يمكن تسميتها بتحول سلوك إصدار الفتوى بسلوك التصريح الإعلامي، وأصبح الفقيه يمارس دور (الرجل السياسي) ، والمؤسسة الإعلامية تتصور خاطئة أنها تجني الكثير من المكاسب، من خلال الاستثمار في موضوع (الفتوى إعلاميا) دون الانتباه إلى المخاطر التي سنتجر من وراء تلك السلوكات. في هذا السياق يأتي موضوع سؤالك الذي يتطلب ضرورة فهم المعنى الطبيعي للفتوى أولا، ومكانتها في المخيال الديني والنسق الاجتماعي، وما يرافق ذلك من الدلالات والمعاني الناتجة من اشتغال العقل الإعلامي، دون أن نغفل ما تفرضه وسائل الإعلام من اشتراطات دلالية ومعاني تسويقية (للفتوى الإعلامية)، وأكثر من ذلك ما ينتج من الانتقال من مرحلة وسائل الإعلام الكلاسيكية، إلى إكراهات أزمنة وسائط التواصل الاجتماعي. هذه المعطيات وغيرها، تضعنا اليوم في مواجهة كثير من الأسئلة الكبرى، التى تكشف عن الحجم الرهيب للأزمة التي وقعنا فيها، في مقدمتها هل يوجد عندنا فقهاء مختصون في الفتوى أم يوجد أناس يملكون معارف دينية؟ ومن هي المؤسسات المكلفة بتكوين الفقهاء؟ وهل يتوفر في الجامعات والمعاهد اختصاص الإعلام الديني؟ وما هي المعايير المهنية والاشتراطات العلمية الواجب الالتزام بها في الممارسة الإعلامية في موضوع المادة الإعلامية الدينية؟ وأين هي الدراسات والأبحاث العلمية المختصة في الإعلام الديني؟ ولماذا تغيب المعاني والأساليب التدريبية الإعلامية عن المؤسسة الدينية؟ وهل ما يبث في وسائل الإعلام عندنا (فتاوى) أم (مواعظ)؟ وما هي الأهداف والمقاصد التي يتم تحقيقها من تهافت المؤسسات الصحفية على المادة الإعلامية الدينية؟ إن مثل هذه الأسئلة تضع المؤسسة الإعلامية في مواجهة تحديات كبرى، وتورط في المقابل المؤسسة الدينية في امتحان عسير له تكاليفه الباهظة في المستقبل القريب. و هذا ما يقودنا إلى أن البعض يستحسن إطلاق عبارة "الفوضى" على المادة الصحفية، التي تتضمن الموضوع الديني وبالذات موضوع الفتوى، التي هي بطبيعتها الأصلية متعددة ومتنوعة وخاضعة للظروف ومستجدات الحياة، كون الفتوى هي جهد فكري مهم، يعمل على توفير حلول مناسبة لواقعة طارئة، من خلال مقاربة معطياتها مع المعاني المتضمنة في النصوص الشرعية (القرآن الكريم أو السنة الشريفة)، مع مراعاة المقاصد المعتبرة شرعا، دون أن تكون متضمنة الأحكام الشرعية الثابتة(الأحكام القطعية)، التي لا تقبل الاجتهاد باعتبارها أحكام شرعية دائمة، مما يجعل الفتوى في النهاية منتوج فكري وحل حياتي ذو طبيعة فردية أو جماعية، يهدف إلى تجنب صعوبات الحياة وتوفير المخارج المناسبة للوضعية الحرجة التي يتعرض لها الناس، إلا أنه من الضروري التنبيه إلى أن الفتوى ليست الحكم الشرعي المقصود أصالة، ولا تملك طابع الديمومة والثبات. هذه المعطيات وغيرها، تتطلب تعاملا خاصا ومحترفا مع الموضوع الديني عامة والفتوى بصفة خاصة في المجال الإعلامي، الذي تبقى القنوات الفضائية الجزائرية، وكافة وسائل الإعلام الأخرى بحاجة إلى الحصول على قدر معتبر من التكوين للوصول إلى مستوى من الاحترافية المهنية المطلوبة، للتعامل النوعي مع هذه المادة الإعلامية، خاصة وأن للموضوع الديني عامة طبيعة خاصة في المجتمع، مما يفرض درجات عالية من العمل الإعلامي المتكامل حتى يتم تحقيق الأهداف الإعلامية والاتصالية من تسويق المادة الإعلامية ذات المضمون الديني.