تسلل الشاب من فيلته، زاده لباسه الصيفي وسامة، وأظهر عن عضلات مفتولة، تمطط، تثاءب، جلس إلى كرسي حديدي مثبت عند باب الحديقة، أخرج مفاتيح السيارة وراح يديرها في أصابعه عابثا. يقترب منه جاره الكهربائي في ثياب عمله، وقد تدجج بأدوات العمل، يتمتم من بعيد: -هذا الملعون يعيش كالملك، منذ خمس سنوات كان أبوه أفقر خلق الله، من أين له بهذه الثروة؟ لص حقير، لن يتلقى مني تحية. يرفع الشاب عينيه فيرى جاره الكهربائي يتوقف عن العبث بالمفتاح. -اللعنة على الحسود اللعين، سأتجاهل مروره. يقترب الكهربائي أكثر مواصلا حديثه: -ولكن ما يهمني أنا في أخلاقه وغشه، حتما سأحتاج إليه ذات يوم، صاحب التاج يحتاج فما بالك أنا العامل الكادح؟ يقترب أكثر يقف الشاب متمتما: -لن أخسر شيئا حين أحييه، أنا أيضا سأحتاج إليه، حتى في الليل قد أطلبه لإصلاح ما يقع من أعطاب. يلتقيان يتصافحان بحرارة ويفترقان، يظل الشاب يتابعه وهو يردد: -اللعنة يده حرشاء كالمبرد، اللعنة. يغلق الكهربائي أنفه متقززا، وهو يبتعد. -اللعنة، رائحته نتنة، كأن البهائم قد تبولت عليه. يسير خطوات ثم يعود إلى مكانه، وهو يسمع صوت أبيه يصرخ في وجه أمه: -حمقاء، خرقاء، لولا الأولاد لقذفت بك إلى البحر. -حتى أنا والله لولا الأولاد ما بقيت لحظة معك، حياتي مرة مرة مرة. -حتى ابنك التافه، لا يتودد إليّ إلا حين يريد مصلحته. ينكمش الشاب فوق الكرسي مبتسما في خبث: -فعلا، وليتك تعجل بالرحيل، لم تتمتع ولم تتركنا نتمتع ونيران جهنم تعجز عن التهام أموالك، وحتى أنت لا تحبني فعلا، وإنما تريدني لمصلحتك لا غير. يقبل الكهربائي من جديد وقد غبر شيئا من ثيابه، يتوقف عن الشاب: -مازلت حيث تركتك، هنيئا لك الراحة، يكاد التعب يعصف بي. يرتفع صوت شجار الوالد والوالدة، وتسمع أصوات ارتطام وانكسار، يشير الشاب بإبهامه إلى الخلف دون أن يتحرك. -اسمع اسمع، كيف لي أن لا أنتحر؟ -ولم تنتحر، أبوك فرح بك ويريد أن يزوجك. -أقنعه أرجوك، لا أريد الزواج، أريد أن أحيا، أتمتع، أسافر في أرض الله الواسعة. -وما يمنعك؟ -هذا الأحمق، يبرك على أموال قارون، ويعيش المأساة ونعيش نحن معه المأساة، اللعنة عليه. يتقزز الكهربائي من هذا الكلام ويجلس إلى جوار الشاب: -ليت لي والدا مثل والدك يحقق لي كل هذا النعيم. -خذه، خذه أرجوك. يبتسم الكهربائي مربتا على كتف الشاب. -لن أتأخر طبعا، سأفعل الآن. يقف الشاب فزعا. -لكن دون أمواله وممتلكاته. لابأس لا بأس، لا تخف لك كل شيء. يغير الكهربائي من نبرة صوته: -هل تعرف كم يحبك يا صديقي؟ حدثني عنك طويلا. -عني أنا؟ ماذا قال؟ ماذا قال؟ يجلس إلى جواره باهتمام. -حلمه أن يزوجك، يقيم لك عرسا عظيما يفاخر به الدنيا، ويكون له أحفاد يفاخر بهم وبهم يحفظ مجده الذي بناه. -إذن حدثك عن نفسه لا عني. يقف الكهربائي، يضع يده على كتف الشاب. -حتى أنت ليس من حقك أن تتمتع بثروة لم تشق في جمعها. يرتفع صوت الشجار مرة أخرى، يقترب صراخ الأب خارجا من الفيلة. -اللعنة لقد جاء، لا أريده أن يراني، لا يحسن إلا أن يأمرني بالعمل، هيا، هيا. يهرولان مبتعدين.