مسرحية " بدون عنوان " التي أنتجتها تعاونية ورشة الباهية واقتبسها علي عبدون و إخرجها السعيد بوعبد الله حاولت إسقاط كل الأوهام و الخيالات والأقنعة التي يخفي بها الإنسان نفسه من أجل الهروب من حقيقته ، و من الواقع الذي يعيشه، حيث أن السينوغرافيا المستعملة رسمت لنا في مكان معزول مستنقع تهرب إليه 3 شخصيات تختلف في أسباب هروبها ، لكنها تتشابه في مضمون فكرها لأنها هربت من الضياع فاختارت الانتحار كأسهل طريقة لمجابهة الواقع. إن العنصر التشويقي في " بدون عنوان" يكمن في أن المتلقي نفسه يستخرج من خلال مشاهدته للعرض عدة عناوين للمسرحية ، و التشويق لا يكمن فقط في النص، بل في العناصر الاخراجية التي استعمل فيها المخرج موسيقى من التراث الأندلسي النوبة، و بعض من الألفاظ التراثية في الثقافة الجزائرية، و لم يكثر المخرج من الموسيقى، بل كان للممثل الدور الأساسي في بناء العرض بكامله، خاصة أنه استعمل السرد في رواية الأحداث التي وقعت لكل شخصية . مسرحية " بدون عنوان " هي بذاتها عنوان ، و ما الانتحار إلا رمزية لتجربة إنسانية تستطيع أن تكون صائبة أو خائبة، و حاول المخرج أن يجدب المتلقي من خلال استعمال اسقاطاته السياسية و الحضارية و الاجتماعية، حتى يوعي المتلقي بما يجد حوله ، وهذا جانب مما تستعمله المدرسة البريختية في المسرح ليتفاعل المتلقي مع الممثل و ما يطرح بالإيجاب أو بالسلب . حاول الكاتب في مسرحية " بدون عنوان" من خلال الشخصيات التي وصفها إعطاء صورة واقعية للمجتمع الذي يراه أنه اغتصب كل المعاني الإنسانية و الأخلاقية و الروحية ، وهذا مجسد في شخصية " سي عامر" الذي يملك كل شيء في يده حتى حياة و موت الآخرين هو من يتحكم فيها ، وهو ما أبرزالقهر المسلط عليهم، فهو لا يرى الآخرين على أنهم بشر لهم روح إنسانية بل مجرد مصالح، و المرأة عنده مجرد أنثى و فقط، ليست انسانة تحمل فكرا وعقيدة ، و هذا ما أيقظ الناجي من وهم الانتحار و زرع فيه القوة و الشجاعة لمواجهة هذا القهر . لهذا لا يمكن ل " بدون عنوان " أن تبقى بدونه، فكل واحد منا له شبيهه في بلا عنوان ، لهذا تكثر العناوين و النتيجة واحدة ، و الرجوع إلى الأصل فضيلة هذا ما نستنبطه من خلال مشاهدتنا للعرض . كانت حركة الممثلين على الخشبة في أعلى الوسط ، حيث وضع السينوغرافي القبور التي كان يدور حولها الممثلون، كي يوصلوا للمتلقي البعد الآخر من وجودهم في ذلك المكان، و بما أن الزمن توقف بهم في لحظة اليأس و محاولة الانتحار، فإن نفس الزمن خطى بهم خطوات إلى الأمام ، كي يتخلص كل منهم من ماضيه، و لإدخال المتلقي في هذا العرض استعمل المخرج اضاءة جانبية ذات لون أزرق إذ لم يسلط الإضاءة على شخصية بعينها، بل راح يلعب بجمالياتها حتى أصبحت الإضاءة جزء من الحدث الدرامي، خاصة في لحظات المصارحة و السرد الذي أخذ الشخصية من الماضي إلى الحاضر.. " بدون عنوان " هي حكاية مجتمع أراد أن يخرج من عقده و من الإشكاليات التي تصادفه ليذهب إلى الحرية التي يحلم بها.