طلبتُ الشاب صاحب سيارة الأجرة على الهاتف ليقلني إلى الفندق وبعد عشر دقائق وصل إلى باب المشفى، أحسست بحاجتي للبقاء وحيدا فقد نسيت الاهتمام بنفسي وألمي في حضرة ألم مريم..جسدي لم يعد يقاوم مزيدا من التعب ودماغي يتفتت، طوال الطريق التزمت الصمت، لم أتفوه بكلمة واحدة إلى أن تحدث الشاب في عجب قائلا: - ما بالك يا عماه أأنت مريض؟؟ هل ثمة شيء ما يؤلمك؟؟ - ليس الألم أن يبكيك مرضك يا ولدي، الألم الحقيقي أن ترى قطعة منك تموت ببطء وليس بإمكانك فعل شيء.. - فعلا يا عماه.. فراق الأحبة أشبه بسلخ الشاة وهي حية. - من تكون تلك المرأة النّائمة في المشفى...أهي زوجتك؟؟ ألم تقل أنّ زوجتك في إيطاليا؟؟ - لا أعرف في أيّة خانة سأصنفها اليوم أو ربما كانت عمرا كاملا كل الخانات والجداول.. - هل تحبها لهذه الدرجة؟ - لا أدري إن كنت أحبها، ما أستوعبه أني حبيس داخل زنزانة روحها، ومهما حاولت الهروب منها وجدتني أهرب إليها، سجنها قدري.. - عماه.. لكن مهما إدعينا أننا أعطينا الآخر كل ما بداخلنا من حب فإننا نترك دوما لانفسنا نافذة نجدة نهرب منها محملين بما تبقى من أجسادنا الممزقة وكبريائنا المطحون لنرحل عنه دون عودة حين نختنق قهرا.. - آه يا كبدي ... نظن بهروبنا سنجد سعادة أخرى خارج نافذة من أحببنا لكننا ريثما نقفز منها نرتطم بالأرض فنبكي أكثر وتغلق النوافذ الأخرى في وجوهنا وحين ننظرها محاولين الصعود إليها تبدو مخيفة وعالية، حتى لو أطلت منها أميرة جميلة وأسدلت لنا ضفائر شعرها الطويل لنصعد إليها ما استطعنا ، ربما ونحن نتشبث بها محاولين جعلناها تسقط في جب أحزاننا، مهما إدعينا غرورا أنّنا وجدنا مملكة أخرى غير تلك التي كنا نسكنها، تبقى أميرة النافذة الأولى دوما ملاذنا الآسر، فنبكيها في صمت محاولين العودة إلى حرمها حتى وإن سقطنا ثانية من قصرها فننكسر أكثر.. - فعلا يا عماه فعلا ...كلامك صواب . - أأنت عاشق يا ولدي ؟ أطرق بابك الحب يوما؟؟ - ليس لي من أبواب حتى تطرق، (ثم يضحك) ... نحن الفقراء خلقت لنا الجدران فقط لنتوارى خلفها ونبكي خفية حين نجوع ونعرى، حين نحزن وننكسر، حتى وإن أحببت يوما فقد علمتني الحياة ألا أقترب وأترك تلك النار تأكلني على أن أعترف فأموت نكدا ... - لا تحزن بني سيأتي يوم وتعثر على من تقدرك.. من تحبك كما أنت.. تحبك لأنك أنت.. فقط لذاتك لا لشيء آخر، فالحب الحقيقي أن نتقبل الآخر بعيوبه لا بمحاسنه، نقيس حجم حبنا له بتصرفاته الخاطئة لا الصائبة...