التقيت بالشاعر عثمان لوصيف، منذ نحو 10 سنوات، جاء إلى مدينتي في إطار أسبوع ثقافي بين الولايتين، بسكرة والنعامة؛ لم أكن والأصدقاء نحفل بهكذا تظاهرات ثقافية، رسمية وفلكلورية، لا طائل من ورائها، كما كانت تبدو لنا؛ لكننا عندما علمنا بأن الشاعر عثمان لوصيف جاء مع الوفد الثقافي البسكري، سارعنا إلى لقائه؛ هكذا استقبلنا بسعادة، رحب بنا كثيرا، وكأنه يعرفنا منذ أمد بعيد؛ التقينا به في المركز الثقافي، وسرعان ما طلب منا اللقاء في مكان آخر، في مقهى شعبي ما؛ اقترحنا عليه منزلا من منازلنا، رفض.. في المقهى التقينا، كنا حوالي عشرة مثقفين أو يزيد قليلا، كان يبدو وهو يتحدّث إلينا، ساخطا، من الوضع الثقافي القائم، كان شارد البال، ساهم الفكر، يصمت كثيرا، يلتقط أنفاسه بصعوبة، يسعل، ويعتذر.. همس لي صديق يرافقه، أنه يعاني نفسيا. خلال تلك الجلسة، حدثنا عثمان لوصيف عن أشياء في الشعر والحياة، أثرت فينا؛ حدثنا عن الإقصاء والتهميش، وعن الرداءة ؛ حدثنا عن واقعة جرت معه في التسعينيات، زمن الموت والرصاص، تمت دعوته الى الجزائر العاصمة لأمسية شعرية، وبعد نهاية الأمسية، غادر الجميع القاعة، ليتركوه وحيدا، هائما على وجهه في شوارع العاصمة، في مواجهة الموت؛ أذكر أيضا وبإلحاح منا، ألقى قصيدتين من قصائده، كان إلقاؤه قويا، وكان يتفاعل مع شعره بشكل ملفت للانتباه؛ كنت مشدوها، فاغرا فمي، وأنا أكتشف بدهشة شاعرا لا يشبه الشعراء، أكتشف شاعرا صادقا، متمكنا من أدواته الشعرية، يكتب شعره من رحم المعاناة والألم. غاب عثمان لوصيف في السنوات الأخيرة بسبب المرض، وإيثاره العزلة؛ لكنه لم يلبث أن فاجأ الجميع، بتواجده في جامعة وهران، حيث ناقش رسالة دكتوراه عن التجربة الشعرية للشاعر الفرنسي المثير للجدل آرثر رامبو؛ وسيمنح شهادة الدّكتوراه بدرجة مشرف جدا، مع إذن بالطبع؛ كان ذلك في 16 أكتوبر 2016.