تحت ضغط المنظمات الحقوقية , و بحكم الأوضاع الأمنية السائدة في البلدان الأصلية للمهاجرين السريين اضطر الأوروبيين إلى التعامل مع قوارب الهجرة السرية، على أنها قوارب لاجئين فارين من حروب مميتة . ولذا فقد وصفت وسائل إعلام غربية رفض بريطانيا والدانمارك وإيرلندا لمقترح الاتحاد الأوروبي بقبول حصة معينة من المهاجرين اللاجئين، بكونه «فعل غير تضامني» من قبل هذه البلدان. غير أن ذلك لم يمنع المسؤولين في الاتحاد الأوروبي من مواصلة البحث عن تفويض أممي للحصول على شرعية كاملة لملاحقة المهربين وتجار البشر وتدمير قواربهم , رغم معارضة الهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان لمثل هذه الحلول الردعية و القمعية التي لن تزيد المشكل إلا تعقيدا. و يبدو أن بعض خفر السواحل الأروبيين لم ينتظروا حتى صدور مثل هذا التفويض , و راحوا يعترضون قوارب المهاجرين السريين في البحر و يمنعونهم بشتى الطرق من الوصول إلى السواحل الأوروبية . و رغم أن اوروبا و الغرب عموما يتحملان مسؤولية تفاقم ظاهرة الهجرة السرية جراء تدخلهما العسكري في النزاعات المسلحة في مختلف مناطق العالم و خاصة في الشرق الأوسط و إفريقيا و آسيا , و هي تدخلات ما زالت تبعاتها الكارثية مستمرة في ليبيا و سوريا و اليمن و الصومال و جنوب السودان و دول الساحل جنوب الصحراء و العراق و افغانستان و أوكرنيا و دول إفريقية كثيرة عانت و تعاني من التدخل الأجنبي تحت مسميات عديدة مثل التعاون الأمني و مكافحة الإرهاب بل حتى على المستوى التنموي , يبقى دور فرنسا على سبيل المثال هامشيا في إفريقيا مقارنة باحتياجات القارة ,حيث أن الأرقام المعلنة في هذا المجال ما هي إلا المساعدات التي تتولى وكالات و بنوك و شركات فرنسية مقيمة في إفريقيا استثمارها , و التي يجني منافعها الاقتصاد الفرنسي , و بالنسبة لسنة 2015 على سبيل المثال , يذكر الخبراء , أن فرنسا أنفقت 650 مليون دولار على التدخلات العسكرية في القارة السمراء , مقابل 240 مليون دولار مخصصة للتنمية , أو بالأحرى لإنشاء المزيد من الأسواق لتصريف المنتجات والسلع الفرنسية المصنعة، والحصول على مواد أولية لتنمية الصناعات الفرنسية إذ ما زالت فرنسا المستورد الأول للمواد الخام والمصدر الأول للسلع المصنعة في بعض الدول الفرانكفونية. و تصرف فرنسا مع إفريقيا لا يختلف عن تصرف بقية الدول الأوروبية مع مستعمراتها السابقة أو أسواقها الحالية في دول الجنوب أو تصرف إمريكا مع بقية دول العالم , حيث أصبحت الهجرة وسيلة أخرى من وسائل الضغط على الدول أو ابتزازها . و لعل الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا في مارس 2016 لوقف تدفق المهاجرين على أوروبا يمثل و جها من وجوه الاستغلال المغرض لملف المهاجرين و يتلخص الاتفاق في التزام أنقرة باستقبال اللاجئين السوريين الذين ترجعهم محاولة تعميم الاتفاق مع تركيا , لكن بتكلفة أقل أوروبا , شريطة أن تسقبل أوروبا عددا مماثلا من هؤلاء ممن يوجدون على قوائم طلب اللجوء . وزيادة على هذا الشرط تلتزم أوروبا بدعم أنقرة بمبلغ 3 ملايير أورو إضافي و السماح للأتراك بدخول الاتحاد الأوروبي بدون تأشيرة , و فتح مجددا ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي .و قد سمح الاتفاق بتنظيم عملية تدفق اللاجئين نحو أوروبا , و بالتالي حافظ على بقاء الاتحاد الأوروبي المهدد بالتفكك في حالة استمرار موجات الهجرة غير الشرعية , جراء انهيار اتفاقية «شنغن» التي- كما هو معلوم - تتيح حرية تنقل الأشخاص والبضائع بين دول الاتحاد , لاضطرار كل دولة في حالة استمرار أمواج المهاجرين , إلى اتخاذ إجراءات لحماية حدودها من جموع اللاجئين . كما أن الاتفاق يمنح الوقت لدول الاتحاد لدراسة طلبات اللجوء و اختيار منها ما يتناسب مع احتياجاتها وفق النظرة الأوروبية لما يسميه الغرب «بالهجرة الانتقائية». غير أن هذه الصفقة التي فرضها ظرف الاستعجال لم تحل المشكل و اكتفت بانتزاع سوق المتاجرة بالبشر من أيدي المهربين , و وضعها بين يدي الدول المعنية بمباركة أممية . و بالنتيجة سيضطر اللاجئون إلى المكوث في بلد ثالث مرغمين , و قد يدفعون للبيروقراطيين المرتشين , ضعف ما كانوا يدفعونه من أموال للمهربين ,من أجل وضعهم على قوائم طالبي اللجوء إلى أوروبا وتسريع إجراءات دراستها . و هكذا تتحول قضية اللاجئين إلى مجرد ورقة في لعبة الأمم يجتهد كل طرف لتوظيفها وفق ما يخدم مصالحه , أما الاعتبارات الإنسانية و الأخلاقية فهي صالحة فقط من أجل الضغط على الخصوم أو الأعداء . إذ يوظف الغرب كا ترساناته الإعلامية وشبكات منظماته الحقوقية ,و عملائه من الطابور الخامس لتحميل المسؤولية لبلدان الضفة الجنوبية من البحر المتوسط , و عجز أنظمتها عن توفير العيش الكريم لشعوبها , مما يضطر مواطنيها إلى ركوب قوارب الموت بحثا عن حياة أفضل . أحد هؤلاء الأفارقة الذين بصدد ممارسة أعمال شاقة في أحد غيتوهات بلد إفريقي لجمع ثمن تذكرة نحو مدينة ساحلية استعدادا «للحرقة» , تساءل في شريط وثائقي حول الظاهرة : لماذا يمكن للأروبيين و الغربيين عامة أن يهاجروا إلى إفريقيا بطريقة شرعية ,و يقيموا , و يستقروا و يعملوا فيها , بينما يحرم الأفارقة من مثل هذه الحقوق في البلدان الأوروبية ؟ تساؤل يخفي آخر , حول , كم هم عدد الغربيين الذين يتخذون من إفريقيا مقر إقامة دائمة أو مؤقتة لهم , و موطن نشاطهم ؟ و كم هم عدد الغربيين الذين يعيشون بما تدره عليهم خيرات إفريقيا و عرق أبنائها ؟ تلك معطيات لم تفكر في جمعها بعد المنظمات و الهيئات و المفوضيات الغربية المنشإ و الهوى و المصالح المهتمة بظاهرة الهجرة , ربما علينا انتظار تأسيس هيئات إفريقية الهوية للقيام بهذه المهمة , و عندئذ يمكن للأفارقة أن يقدموا معطياتهم لمقابلة معطيات الغربيين, ليستطيع العالم أن يري الصورة بعينين , بدلا من رؤية العين الواحدة التي يفرضها الغرب على شعوب العالم فيما يخص الهجرة السرية ,وفي جميع القضايا . المهاجرون في اوروبا قطرة في بحر و من المغالطات في قضية الهجرة تركيز الإعلام على وتيرة تدفق المهاجرين على أوروبا , رغم أنها لا تستقبل في الواقع سوى نسبة ضئيلة ممن نكبتهم تدخلات أوروبا و امريكا في شؤون بلدانهم الداخلية , فمن بين عشر دول تعتبر أكثر دول العالم استقبالا للاجئين نجد بلدا أوروبيا واحدا يتذيل الترتيب و هو ألمانيا التي تستقبل أقل من 500 ألف لاجئ و طالب لجوء , بينما تستقبل تركيا 2,9 مليون و باكستان 1,4 مليون و لبنان 1,2 مليون و إيران 979ألف, و أوغندا 940 ألف و إثيوبيا 791 ألف و الأردن 664 ألف , كما تستقبل بنغلاداش مئات الألاف من لاجئي بورما من الروهينغا , علما أن الأممالمتحدة تتحدث عما مجموعه يقارب 66 مليون لاجئ و نازح في العالم في سنة 2017 منهم 22,5 مليون لاجئ و 2,8 طالب لجوء و ما تبقى هم نازحون داخل بلدانهم المضطربة . و مما تبرزه لغة الأرقام هذه , هو أن عدد اللاجئين و طالبي اللجوء في اوروبا و أمريكا و حتى كندا , لا يمثل سوى قطرة من بحر , ففي ذروة تدفق المهاجرين سنة 2014 , لم يستقبل الاتحاد الأوروبي كله سو 170 ألف من المهاجرين حسب التقديرات المضخمة ذلك الحين , كما ان عدد طلبات اللجوء في ألمانيا العام الماضي لم تتجاوز 64 ألف منها 7900 طلب حديث , وذلك بتراجع الطلب بنسبة 19,4 في المائة مقارنة بالعام الأسبق , مع الإشارة أن نسبة رفض الطلبات تتجاوز 60 في المائة .