تسعى الجزائر منذ استرجاع حريتها واستقلالها الى اقامة علاقات قوية مع دول القارة الافريقية التي تنتمي اليها جغرافيا وحضاريا وكانت سندا قويا لها خلال ثورتها ضد الاسعمار الفرنسي فقد ساهمت الجزائر في انشاء منظمة الوحدة الافريقية ثم الاتحاد الافريقي وعملت على تصفية الاستعمار من القارة والقضاء على التمييز العنصري بدولة جنوب افريقيا وفتحت معاهدها وجامعاتها لتكوين الاطارات الافريقية مدنيا وعسكريا وانجزت طريق الوحدة الافريقية العابر للصحراء الذي استكمل هذا الشهر باجاز أكثر اهمية وذلك بتدشين المعبر الحدودي البري بتندوف والرابط بين الجزائر ودولة موريتانيا الشقيقة الذي انجز في ظرف ثمانية أشهر والمجهز بمختلف المرافق والوسائل والواقع على بعد 75كم جنوبا حيث الطريق المؤدي الى مدينة الزويرات الموريتانية فيكون هذا المعبر بمثابة بوابة رئيسية منفتحة على دول غرب افريقيا ونافذة على المحيط الاطلسي الذي تطل عليه موريتانيا بساحل طوله حوالي 750 كم غني بالاسماك التي سبق للجزائر الاستفادة منها في الثمانينات بواسطة اسطول الصيد البحري المشترك بين الدولتين الذي اختفت سفنه بعد احداث اكتوبر 1988. وستستفيد الجزائر من نقل البضائع عبر ميناء نواقشوط الموريطاني استيرادا وتصديرا بدل المرور على ميناء فالنسيا الاسباني او النقل الجوي الباهض التكلفة كما ان الدول الافريقية المعنية يمكنها استعمال الموانئ الجزائرية على البحر المتوسط ومنها ميناء جن جن بجيجل خاصة عند انجاز مشروع السكة الحديدية بين بشار وتندوف على مسافة ألف كم. فالمستقبل واعد بالنسبة لكل الاطراف فالعبر يمثل شريانا اقتصاديا كبيرا وله منافع متعددة اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية وأمنية ويعيد للمنطقة تلك الروابط القوية التي كانت قبل الغزو الاوربي للقارة اذ كانت القوافل تنطلق من تلمسان وتيهرت وقلعة بني حماد في اتجاه مالي والنيجر وصولا الى نيجيريا محملة بمختلف البضائع التي تتم مقايضتها بالذهب وغيرها فطريق القوافل لم يكن يقل اهمية عن طريق الحرير في آسيا الذي يجري احياؤه حاليا كما أن منطقة غرب أفريقيا ساهمت حضاريا في شمال افريقيا والاندلس فمن نهر السنغال على حدود موريتانياوالسنغال انطلقت دولة المرابطين نحو الشمال بقيادة يوسف بن تاشفين وشيدت مدينة مراكش المغربية وجعلتها عاصمة لها فحمت الاندلس وألحقت الهزيمة بالنصارى في معركة الزلاقة فنحن أمام تاريخ طويل حافل بالعمل المشترك والتعاون والتضامن وقد جاء هذا الانجاز الكبير ليفتح آفاقا جديدة أمام دول وشعوب المنطقة ليسهل التواصل والتعاون بينها باستغلال ثرواتها فالجزائر تدرس امكانية استغلال منجم الحديد بغار جبيلات قرب تندوف الذي يتوفر على احتياطي كبير يبلغ 3.5 مليار طن ويمكن ان يوفر استغلاله من 15 ألف الى 20 ألف منصب عمل وسيساعد المعبر الحدودي بتصدير كميات من انتاج هذا المنجم عن طريق ميناء موريتانيا على المحيط الاطلسي نظرا لقربه مما يساهم في ربح الوقت والتقليل من تكاليف واجراءات النقل وهناك مزايا اخرى عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية فمنطقة الساحل تعرف تنافسا دوليا كبيرا لما تتمتع به من ثروات طبيعية وبشرية وتشكل هاجسا امنيا للدول الكبرى بالاضافة الى الدول الافريقية نظرا لوجود جماعات ارهابية تهدد الامن والاستقرار ببعض الدول مثل مالي فالمعبر سيسمح بالتصدي للارهاب عن طريق المراقبة والتنسيق الامني والتدخل للقضاء على هذه الآفة الخطيرة كما يدخل في اطار استكمال بناء الاتحاد المغاربي بسبب سياسة المغرب التوسعية بإحتلاله للصحراء الغربية وخلقه لمشاكل مع الجزائر ادت لغلق الحدود بينهما. كما تحاول الجزائر ملء الفراغ الناتج عن غياب ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي الذي كان يقدم دعما كبيرا للدول الافريقية وقد كانت تمنراست مرشحة لاحضان الجامعة الافريقية نظرا لقربها دولة جنوب افريقيا. لكن يبدو أن تندوف ستنافسها نظرا لهذه المستجدات لتتحول الى قطب اقتصادي وصناعي وسياحى في الجنوب الكبير يجذب اليه المستثمرين المحليين والاجانب للنهوض بالتنمية في هذا الجزء من القارة السمراء لتخرج من الفقر والتخلف.