يكاد المقهى يكون فارغا من زبائنه، صوت أغنية شعبية يصل الآذان خافتا، صديقان يجلسان عن يمين الباب، بينهما فناجين قهوة فارغة، كانت شمس الظهيرة فاترة تكاد تنهزم أمام هبات نسيم ربيعيه، انتبه أحدهما من سرحانه واستدار إلى رفيقه فجأة كأنما تذكر أمرا مهما: -تخيل يا صاحبي، تخيل. استدار إليه رفيقه باهتمام وقال: -خيرا، أخرجتني من أحلامي الجميلة. -وما أحلامك؟ -دعك منها، أكمل أكمل، ما أتخيل؟ أنا في حاجة لأتخيل. يندفع الأول واقفا ويمثل مشية غريبة فيها شيء من الاستهتار -من تقصد؟ -الأحدب الأحدب ظننتك ذكيا. يعود إلى كرسيه مواصلا حديثه. -رأيته اليوم وهو في بذلة جديدة، تثقل كاهله محفظة جلدية تكاد تتقيأ. يحرك الثاني رأسه متذكرا. -تقصد الطيب، فعلا فعلا لا تكاد تفارق المحفظة الثقيلة جنبيه. -أنا أقول لك الأحدب وأنت تقول الطيب؟ قالها بغضب وهو يضرب على الطاولة. -أنت تقصد الدكتور؟ -عجيب ومتى صار دكتورا؟ كان يدرس معنا والفقر ينهشه. -ولكنه صار دكتورا. صمت الأول لحظات يبتلع الحقيقة الجديدة وقال: -اللعنة على كل أحدب، أنا أشك في شهادته، من أين يمر العلم، وحدبته كالممهل؟ انفجر الأول ضاحكا مما قال، ثم واصل: -دعني أحكي لك قصة الأحدب. -وأنا سأحكي لك قصة الدكتور الطيب. -أنا أقول لك الأحدب وأنت تقول الدكتور الطيب، أنا أتحدث عن الضمة الظاهرة فوق ظهره وأنت تتحدث عن الضمير المستتر؟ قل لي بالله عليك، من أين جاءته الطيبة هذه؟ هل تعلمها أم اكتسبها؟ -لايهم يا رفيقي، المهم أنه طيب وأنه دكتور وكفى. يعتدل الثاني في جلسته بثقة كبيرة، يزداد غضب الأول، يقوم من مكانه. -إذن عليك أن تمططه لتزيل عيبه، أو ضعه أفقيا تحت ضاغط، أو لا أعرف، لن تزيل عاهته، هو أحدب أحدب عليه اللعنة. يسكتان دقائق كأنما يسترجعان أنفاسهما، يندفع الثاني كأنما وجد حلا للخلاف. _أتعرف؟ -وما أعرف؟ -إنه يغطي على حدبته، نعم أجل إنه يغطي. -كيف؟ -حكاية الطيبة، وحكاية الدكتوراه وووو هي تغطية عن عيب، الضمير المستتر يغطي على الضمة الظااااهرة. يستدير إليه، يجمع يديه ويقول بهدوء: -يا رفيقي لا يهم، كلنا نغطي على نقائص، المهم هو طيب ودكتور. يقوم الأول غاضبا رافعا يديه إلى الأعلى صارخا. -لا يا رفيقي أنا الحمد لله، لست ناقصا، خلقني الله إنسانا كاملا، انظر هل ترى في عيبا؟ يمكن حتى أن أتعرى لك. ويشرع سريعا في نزع ثيابه، يسرع إليه الثاني يمنعه. -دعك من هذا العبث. -إذن هو أحدب -أجل هو دكتور طيب. يحمل الأول كرسيا ويضربه على الأرض. -هو أحدب، أحدب، أحدب. يمر الأحدب فجأة يكاد يجر محفظته الثقيلة، ينتبه إليه الاثنان بدهشة، تلحقه أصوات أطفال وحجارتهم. -أحدب.. أحدب.. أحدب. يشتد غضب الثاني، فيما تنفرج أسارير الأول، ويلحقان بالأحدب.