- كشف الفيلم الوثائقي *العمل الإنساني في قلب حرب التحرير الجزائرية*، الذي بثته القناة الجزائرية *كنال الجيري* أمسية يوم الجمعة، عن مرحلة غير معروفة لدى الكثيرين في تاريخ العمل الإنساني خلال حرب التحرير الوطني و الدور الذي لعبته اللجنة الدولية للصليب الأحمر لصالح المعتقلين الجزائريين في سجون الاستعمار. وبمناسبة الاحتفال بالذكرى ال64 لاندلاع ثورة أول نوفمبر، تم بث هذا الفيلم الوثائقي لأول مرة في التلفاز لمدة 42 دقيقة من إخراج سعيد عولمي لحساب اللجنة الدولية للصليب الأحمر و هو مخرج لعدة أفلام وثائقية تاريخية، حيث تطرق إلى الجانب غير المعروف كثيرا حول العمل الإنساني خلال حرب الجزائر الذي قامت به لاسيما اللجنة الدولية للصليب الأحمر من فبراير 1955 إلى يوليو 1962. وقامت هذه اللجنة المتواجدة بجنيف ب10 بعثات تحقيق متتالية للاطلاع على شروط حياة السكان المتجمعين في محتشدات بالجزائر و وضعية اللاجئين في الحدود التونسية والمغربية و كذا مصير المحتجزين و السجناء الجزائريين في السجون الفرنسية. واستعاد المخرج المراحل الأساسية التي عرفها العمل الانساني استنادا إلى وثائق الأرشيف المحفوظة بمقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بسويسرا و شهادات الفاعلين الذين عايشوا هذه الأحداث، من بينهم المفوضين القدامى للجنة على غرار بيار غايارد و المؤرخ الفرنسي بونيون و رئيس وفد الصليب الأحمر في الجزائر أسكار أوماربيكوف و المحتجزين الجزائريين الذي بقوا على قيد الحياة بفضل التدخلات التي تولاها الصليب الأحمر الدولي. كما أعطيت الكلمة لقدامى قيادات جبهة التحرير الوطني بما فيهم رئيس الحكومة و الناطق الرسمي لوفد جبهة التحرير الوطني خلال مفاوضات اتفاقيات إيفيان، رضا مالك و وزير الشؤون الخارجية الأسبق و المستشار القانوني لجبهة التحرير الوطني و الحكومة الجزائرية المؤقتة، محمد بجاوي. وعلاوة على ذلك، نُفذ أول نشاط انساني من 28 فبراير إلى 18 ابريل 1955، الفترة التي سرد خلالها مفوضو اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقارير مفصلة المعاناة التي يعيشها السجناء الجزائريون في مراكز الاحتجاز و تحريمهم من حقوقهم الأساسية كمعتقلين و خضوعهم إلى أبشع الأعمال اللاإنسانية من قبل السلطات الاستعمارية. كما قام مبشرو اللجنة بزيارة خمس قيادات سابقة لجبهة التحرير الوطني (احمد بن بلة و محمد خيدر و حسين ايت أحمد و محمد بوضياف و مصطفى الأشرف) المسجونين بفرنسا. ويتذكر بيار غايارد، مفوض اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هذه اللحظات دون أن يتردد في ذكر *العراقيل* التي وضعتها السلطات الاستعمارية التي رفضت تقديم القائمة الكاملة للمعتقلين الجزائريين.
=== دور حازم في الدفاع عن القانون الإنساني===
وكان قد أكد بيار غايارد، الذي *حظي بمكانة محورية في الوفد*، والمتوفي بعد شهرين من انجاز هذا الفيلم الوثائقي، دفاعه الدائم على مبدأ *حيادية* لجنة الصليب الأحمر التي وصفها *بالدرع* خلال كل تلك السنوات من النشاط الإنساني بالجزائروفرنسا. وأكد المفوض القديم بقوله *رأيت الشعب الجزائري يعاني أنذلك ولكن بكرامة*، مشيدا بحزم الجزائريين والتزامهم بالدفاع عن استقلالهم. كما تؤكد شهادات السجناء الجزائريين على غرار رمضان آيت ايدير وحميدو فتحي، بدورها، على مثالية التصرف التي تحلى بها المفوض والذي تميز خلال زياراته إلى المحتشدات أو مخيمات التجميع ومراكز الاحتجاز. واعترف قدماء السجناء الجزائريين في هذا الفيلم الوثائقي جميعهم *بدعم* المنظمة في الدفاع عن القانون الإنساني الدولي وتحسين ظروف السجناء وحياتهم في المحتشدات الاستعمارية. وكانت قد نجحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال تأدية مهامها في الحصول على اعتراف من فرنسا بصفة سجين الحرب لصالح محاربي جيش التحرير الوطني. وأدت دورا كذلك في تحرير المعتقلين الجزائريين وسجناء الحرب من فرنسيين اعتقلهم جيش التحرير في ذلك الوقت. وفي يناير 1958، سُمح لمفوضين اثنين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة أربع سجناء فرنسيين معتقلين في الحدود التونسية بقاعدة في الشرق تابعة لجيش التحرير الوطني. كما أدلى أحد هؤلاء السجناء الذي مازال على قيد الحياة، جون أوجان فيالورن، بشهادته في هذا الفيلم الوثائقي حول ظروف اعتقالهم، مؤكدا أنهم حظوا بمعاملة *كريمة* من لدن جيش التحرير الوطني إلى غاية إطلاق سراحهم في ديسمبر 1958. وكانت قد زارت اللجنة ما مجموعه 586 معتقلا ومحتشدا للسلطات الاستعمارية عبر التراب الوطني وبفرنسا. كما أعلنت الحكومة الجزائرية المؤقتة في 20 يونيو 1960 عن انضمامها لاتفاقيات جنيف المحددة لقواعد القانون الدولي الإنساني، مما شكل انتصارا آخر للنضال من أجل استقلال الجزائر.