في حين تظل الجزائر على وفائها لفلسطين و نضالها من أجل تقرير المصير و حق شعبها في دولة مستقلة كاملة السيادة , تتنافس دول عربية و أخرى إسلامية لفك ارتباطها بالقضية الفلسطينية و تسرع الخطو في طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني و التنسيق معه لاستبدال العداء له و لجرائمه ضد الشعب الفلسطيني بالعداء لدولة تشاركها الانتماء إلى الإسلام و إلى الحضارة الشرقية , و ذلك خلافا لما كان يتوقعه الفلسطينيون من أشقائهم العرب و المسلمين عقب ثورات الربيع العربي التي مكنت التنظيمات الإسلامية من الوصول إلى السلطة في بعض الدول العربية. غير أن الأمل سرعان ما اضمحل في خضم المآسي التي تمخضت عنها هذه الثورات التي انغمست في وحل الصراعات الطائفية والإثنية والمذهبية و ما انتجته من حروب أهلية عرّضت دولا عربية عديدة لخطر تمزق نسيجها المجتمعي وهددت بالتفكك وحدة كياناتها، وجعلت النظام الرسمي العربي، المنقسم على نفسه، يعيش أشد حالات الضعف والشلل التي شهدها عبر تاريخه، وحوّلت المنطقة العربية، تحت شعار محاربة «الإرهاب»، إلى ساحة للصراع الإقليمي وللتدخلات الدولية. و هي الظروف المواتية التي استغلها حكام الكيان الصهيوني لتمرير مشاريعهم الرامية إلى القضاء نهائياً على القضية الفلسطينية بالترويج لحل «إقليمي» للصراع , يتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية،مستغلين غياب إجماع عربي على أن إسرائيل العاصبة، وسياسات حكامها العدوانية والاستيطانية، هي التي تمثّل التهديد الأكبر للأمن القومي العربي , و إنما الذي يمثل مثل هذا التهديد في نظر الكثير من الأنظمة العربية هو النظام الإيراني لتزايد نفوذه في المنطقة. و أصبح لبعض الأنظمة العربية، و لاسيما في منطقة الخليج، استعداد خفي بادئ الأمر و معلن ، للتحالف و تطبيع العلاقات مع الصهاينة لمواجهة هذا النفوذ الإيراني . و تتحمّل الولاياتالمتحدة الأميركية مسؤولية كبرى عن انسداد أفق السلام في الشرق الأوسط. وقد انتقلت صراحة، بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2017، من دور الوسيط «حل الأزمة» إلى دور المصفي لأهم مكوّناتها وهما قضية القدس وقضية اللاجئين. فخلال الأشهر القليلة الماضية، اعترفت إدارة ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني واتخذت قراراً بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كما قررت خفض المساهمة المالية التي تقدمها إلى منظمة «الأونروا»، التي توفر خدماتها إلى أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، وصارت تتجاوب مع مطلب الصهاينة بتصفية هذه المنظمة الدولية تمهيداً لاستبعاد قضية اللاجئين الفلسطينيين نهائياً من أية مفاوضات مستقبلية، كما صارت تهدد بوقف مساهمتها في تمويل ميزانية السلطة الفلسطينية ما لم يعد الفلسطينيون إلى المفاوضات وفقاً للشروط الإسرائيلية.و طبقا لمحتوى صفقة القرن التي يناور بها ترامب إعلاميا و يقوم بتنفيذها على أرض الواقع عبر ما سبق ذكره من قرارات خارقة للقانون الدولي و لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية . هذا فضلا عما أفرزته ثورات الربيع العربي من معاناة لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين و خاصة في سورية التي اضطر معظم الفلسطينيين إلى النزوح منها إلى دول الجوار و لاسيما إلى لبنان . و رغم هذه العوامل المثبطة للعزائم , تواصل الجزائر نضالها للدفاع عن حقوق الفلسطينيين على كافة المستويات و من ذلك مبادرتها الأخيرة بمعية تركيا على مستوى الجمعية العامة الأممية بعرض مشروع قرار يطالب بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الأعزل ضد ميليشيات الكيان الصهيوني