في المشهد الثقافي العربي غالبا ما يتم التعامل مع الشاعر الشعبي بوصفه (شخصا أميا) لسبب بسيط وهو أن الشعر الشعبي مرتبط بالأمية وأن عددا من شعراء الشعبي وليسوا كلهم لا يحسنون الكتابة باللغة العربية الفصحى ،مع أنه هناك في الواقع وفي المشرق العربي على وجه الخصوص الكثير من الباحثين والأكاديميين الذين يجمعون بين الكتابة الشعرية بنوعيها الفصيح الشعبي وأن كتابتهم للشعر الشعبي لم تؤثر بالضرورة على قيمتهم العلمية ومكانتهم الأكاديمية والتراتبيات الاجتماعية التي يحرصون على التمسك بها . بينما نحن في الجزائر وسائر بلدان المغرب العربي لا زال لدينا الانطباع السائد بأمية الشاعر الشعبي واعتباره قادما من البوادي والفيافي البعيدة ويتم في العادة التعامل معه بدونية وانتقاص أشبه « بالحقرة « والغريب في الأمر أن هذا التعامل الفوقي الاستعلائي يظهر أيضا بجلاء في علاقات بعض الأساتذة الجامعيين المتخصصين في حقل الأدب الشعبي مع نظرائهم من الشعراء الشعبيين على صعيد الاستعراض الأكاديمي والاستعلاء الخطابي الفوقي ، من حيث كونهم الفئة الحاملة لهموم الأدب الشعبي وللمنافحة عنه لتخليص النخبة من هذه النظرة الدونية في التعامل مع فئة خاصة من الشعراء وهم شعراء الملحون أو الشعبي يتم هذا في الظاهر طبعا لكنهم على صعيد الواقع فبعض هؤلاء الباحثين يثبتون عكس ذلك وليس فقط لأنهم من الناحية الواقعية من الفئة المحسوبة على ممثلي « الثقافة العالمة « الرسمية لقد كان الراوي الشعبي أو الحكواتي الذي يتخذ من الحارات والأسواق الشعبية فضاء له لتمرير رسائله الرمزية لمن يهمه الأمر يمثل دور «المؤرخ الشعبي» الذي يروي التاريخ المغيب والمنسي أو « المسكوت عنه « من خلال نص الحكاية الشعبية التي يرويها بمهارة في الأداء الفني مقابل « المؤرخ الرسمي « الذي يتبنى الخطاب السياسي الإيديولوجي الرسمي أي خطاب الدولة ويعبر عنه هذا ما جعل بعض الروائيين في السنوات الأخيرة يلتجأون للحكاية والحكاية الشعبية على وجه الخصوص كأحد المتكآت الفنية لقول ما لم تقله رواية الأطروحة الإيديولوجية التي استنزفت كل طاقتها في التعامل مع الواقع العربي وتحولاته المفصلية كمعطى إبداعي، فوجد في الحكاية الشعبية ملاذا له وفي أداء الراوي الشعبي، أو «القوال» بوصفه قناعا أو مكونا من المكونات السردية أو الوظائف السردية التي يختبئ وراءها الراوي الفعلي أو يتبادل الأدوار مع عدد من الرواة والساردين بما في ذلك المؤلف نفسه وهو الروائي صاحب العمل الفني مثلما نجد أن بعض تجارب المسرح ومنها تجارب كاتب ياسين وعبد القادرعلولة والطيب صديقي ومسرح الحلقة لا تتواني هي الأخرى في توظيف أداء الراوي الشعبي أو « القوال» لمخاطبة الشعب باللغة التي يفهمها فهل يمكن إعتبار هذا النوع من الرواة هم على درجة كبيرة من الأمية . ؟ .مع أن هذا الراوي أو «المؤرخ الشعبي» يؤسس في الواقع من خلال مروياته الشعبية بما تنطوي عليه من متعة فنية وأنماط خطابية وقيم رمزية وسياسية لوعي سياسي وثقافي يكاد يكون معدوما لدى الكثير من ممثلي « الثقافة العالمة « حتى ولو كان لا يحسن الكتابة باللغة العربية الفصحى ولا يحسن التكلم بلغة أكاديمية ولا يحسن أيضا الاستعراض المشوه لبعض الملفوظات النقدية من دون وعي بها أو تمثل لها على صعيد القراءة والاستقبال على الأقل واجترار المفاهيم النقدية والاصطلاحية مفصولة عن سياقاتها التاريخية والمعرفية وعن الفضاء الإبتسيمي الناشئة عنه