نتعرى من كلّ شيء إلّا من دموعنا وحدها من تكبر فينا كلّما مارسنا طقوس الحزن أكثر... شيماء يا طفلتي البهيّة كم أشتاقك وكم يتربص بي الحنين لأكتب لك.. مضى وقت طويل لم يتراقص فيه حرفي على بلاط ذكراك. انقضت أيام كثيرة وأنا ما زلت على العهد كما أخبرتك سابقًا، بأنّني سأظلُّ أذكرك وأترك لك في كلّ مناسبة أو دونها رسالة أترجم فيها على الدّوام شوقي الكبير إليك، ذاك الشوق الذي لا تفسره المسافات ولا تقوله الكلمات. ثمّة رسائل لا تأتي إلّا بعد فوات الأوان، وثمّة أحلام موؤودة وعصيّة لا تأتي إلّا على شاكلة جنائزية لا تخلدها غير القبور، وكأنّها ما أتت إلّا لتعذبنا وتروّض أنفسنا على التأمّل وإعادة النظر في الأشياء من حولنا.. فالإنسان بطبيعته يا صغيرتي لا يشكر النعمة إلّا بعد أن يفقدها. أخيرًا أمسكت بالقلم وعيوني مسكونة بالإعياء وقلبي بالغصّة وبحزن شمعة تحترق بدأت بالسلام.. عام من الصمت قد مضى ولم تمض معه مواجعنا، كما ترين يا حبيبتي فأنا لست بالسعيدة ولا بالحزينة. ما عدتُ أميّز بين الفرح والحزن، في الحقيقة كلّ الأيام باتت متشابهة في ظلّ روتين يوميّ خانق، واليوم لا يختلف عن الأمس، نظري مشتت في الورق المكدس وقصاصات رسائلي التي لم تكتمل بعد؛أفظع أنواع الرسائل تلك التي نسيت من فرط الانتظار أن تصل وظلّت قيد الإرسال. حبيبتي الغالية صدّقيني لم أعد أستطيع الصبر على فراقك أكثر، أريد أن أبوح وأشعر باللذة في الاعتراف لك، حتّى ولو جاء اعترافي متأخّرًا جدًّا لا يهمّ بقدر ما يهمّني انغماسي فيك الآن. ها أنا أعود باكرًا إلى غرفتي أحمل خيبتي وأجرُّ وهمي، ورائحة الهزيمة تتشبث بي وتنهش راحتي، وتستوقف فرحتي، وما تبقّى منّي. التهمت في عجالة رواية « الموت في زمن هشّ « لرفيق طيّبي حتّى أنّني لم أنهيها، لم أفكّر بنهاية البطلة في معالم الحب المقدس ولا في كابوس كبير اسمه الموت، وأنا متسمرة بسحنة عابسة، لم أكن وحدي كانت تصاحبني صورتك، لم أقل شيئًا فقط اكتفيت بالنظر إلى ملامح طفولتك المسروقة وبشدة مفرطة رحت أغرق في دموعي، وبكيت.. بكيتك كما لم أبكِ في حياتي قطّ.رحلت إذن يا شيماء...رحلت وتركت قلوبنا كغرف مهجورة، ككتب منسيّة يأكلها الغبار على الرّف، كالأواني التي تزيّن بيوتنا، فيما نحتفظ بها لا أدري..؟. لا يوجد في الأبدية سرّ وحدها النهايات تصنع الفارق، إذ أنّها تعطينا دروسًا لا تتحمّل التجاهل والنكران. مذ رحيلك وأنا أحاول أن أنسى ولم يحدث أن نسيت، كم هو أنانيٌّ الرحيل المفاجئ وكم هي قاسية الدروب دون الخلان والأحبة.لن أقول لك كلّ ما أفكّر فيه الآن سأكتفي بهذه السطور إلى حين أن أكتب لك رسالة أخرى قد يطرأ أيّ جديد، وكعادتي سأبقى أعزيني فيك دائمًا وأبدًا وأخبرك بأنّني أشتاقك كثيرًا وأحبك أكثر.على فكرة حبيبتي لقد زرت منزلكم الجديد كلّ شيء فيه هادئ، كلّ ركن ينقصه شيء منك ومن نعومتك ومن جمالك ومن حماسك… يتبع