الجمعة التاسعة من الحراك الشعبي أكدت تمسك المتظاهرين بمطلب رحيل رموز النظام القديم و في مقدمتهم ما بقي من الباءات , و أضافوا إليهم أعضاء الحكومة , وهناك من طالب حتى بحل البرلمان و مجلس الأمة و المجلس الدستوري , لفسح المجال لشخصيات مستقلة لتسيير المرحلة الانتقالية , و تنظيم انتخابات رئاسية ينبثق عنها رئيس منتخب شعبيا يتولى مواصلة إرساء دعائم نظام سياسي جديد . و بهذا يكون الحراك الشعبي قد رفض الإجراءات التي يقودها رئيس الدولة المتعلقة بتنظيم الانتخابات الرئاسية في ظرف 90 يوما , و مباشرة مشاورات مع الطبقة السياسية لتشكيل لجنة مستقلة للإشراف عليها. و هي مبادرات قاطعتها الطبقة السياسية , و عارضها حتى بعض القضاة و بعض المنتخبين الذين أعلنوا عدم إشرافهم على العملية الانتخابية المعلن عنها بشكل أحادي من طرف السلطة القائمة . ولعل ما أعطى للحراك الشعبي هذا النَّفَس و هذا الزخم , عاملان : الأول؛ أنه استقطب كل أطياف الطبقات الوسطى للمجتمع قبل أن يلتحق به النخب من محامين و قضاة و صحفيين و طلبة جامعيين و أساذة و أحزاب المعارضة و النقابات بالإضافة إلى رجال الأعمال , و كل هؤلاء متفقون على مطلب رحيل جميع رموز النظام السابق , غير أن أجندات كل فئة تختلف حول من يسد الفراغ الذي ينجر عن شغور الحكم ؟ الثاني ؛ مرافقة مؤسسة الجيش الوطني للمطالب الشعبية , و تأكيد قائدها على "أن كل الخيارات تبقى متاحة من أجل إيجاد حل عاجل للأزمة التي تعصف بالبلاد", و هو ما يبقي الأمل في التوصل إلى شكل من التوافق في نهاية المطاف بين الشعب و الجيش , يضمن الحفاظ على مؤسسات الدولة و استمرار قيامها بوظائفها في خدمة الشعب , و حماية السيادة الوطنية . و يعتقد بعض المحللين السياسيين (المحترفون) , أن التوافق يتطلب اختيار "شخصية" وطنية مستقلة ذات سمعة في أوساط الشعب لم يسبق له (ها) تقلد مناصب في الدولة , يمكنها تسيير المرحلة الانتقالية و فتح مشاورات مع جميع أطراف الأزمة و وضع خريطة طريقة , إن لم تلب تطلعات الجميع , يكفي أن تزيل مخاوفهم بخصوص نزاهة و شفافية العمليات الانتخابية لما بعد الحراك. إنها الشخصية التي يبدو أن المؤسسة العسكرية تتابع بقية الأطراف و هي بصدد البحث عنها و قد يتطلب الأمر البحث ,ربما خارج الأسماء المتداولة حاليا على مواقع التواصل الاجتماعي و في هتافات بعض المتظاهرين في بعض مناطق الوطن . لقد اعتبرت المؤسسة العسكرية في الجزائر بأنها صانعة الرؤساء , قد يصدق هذا الأمر على مراحل سابقة من تاريخ نظام الحكم في الجزائر , غير أن مع هذا الحراك الشعبي , قد تترك هذه المؤسسة هذه المهمة للشعب عبر صناديق الاقتراع , لكن قبل ذلك لا بد على أطراف الحراك اختيار شخصية الإجماع التي يوافق عليها الجيش لتسيير المرحلة الانتقالية , فالمؤسسة العسكرية ترى من واجبها في هذا الظرف الحرص على أن تنتقل السلطة إلى شخصية موثوقة تمكن الشعب من بناء نظام الحكم الذي يطمح إليه . إن مسار الحراك الشعبي بمطالبه المتصاعدة منذ 22فبراير , لم يستطع اختيار ممثلين له وطنيا و انشغل في كل جمعة بالرد على خطوات السلطة بدءا برفض العهدة الخامسة و انتهاء برفض الرئاسيات و جولة المشاورات , و السلطة من جهتها في ظل مقاطعتها من طرف أطياف الحراك و من والاها , تضطر إلى الاجتهاد في إطار أحكام الدستور لمحاولة تجاوز الانسداد , و هو الوضع الذي من شأنه الاستمرار ما لم تنجح الأطراف (حراك, سلطة و جيش ) في العثور على شخصية الإجماع الذي توضع بين يديه صلاحيات رئيس الدولة للإشراف على المرحلة الانتقالية . فمن يا ترى مرشح الإجماع الذي ينهي الأزمة و يعيد للشارع هدوءه و للجبهة الداخلية استقرارها ؟.