لطالما استعرضنا في تعاليقنا عوامل ضعف أحزاب المعارضة سواء في تحالفها الظرفي مع السلطة أو في طلاقها عنها , و هي عوامل دفعت البعض إلى اتهام المعارضة في الجزائر , بأنها تتعمد وضع نفسها في موضع ضعف , كي تمكن السلطة القائمة من تمرير مشاريعها . و يدعم أصحاب هذا الموقف الذي يتردد في مواقع التواصل الاجتماعي رأيهم, بكون معظم شخصيات و زعماء أحزاب المعارضة و حتى بعض الأحزاب كانوا في السلطة , و أن دورهم في المعارضة حاليا هو وظيفة ظرفية يضطلعون بها ريثما يعودون إلى دواليب السلطة . و هذا الرأي يعني فيما يعنيه أنه لا وجود للمعارضة في الجزائر , وإنما هناك فقط سلطة, قسم منها يتقمص دور المعارضة ؟ وأصحاب هذا الرأي معذورون, لأن اللوم ينبغي أن يوجه للمعارضة التي تعطي مثل هذا الانطباع الخاطئ , من كثرة توجهاتها الخاطئة, وأساليبها الفاشلة في التعامل مع القضايا الوطنية والملفات السياسية الحاسمة. لقد اعتقدت المعارضة, أن ركوبها موجة الحراك الشعبي , سيمكنها من فرض رؤيتها وتمرير مواقفها السياسية «المتناقضة أحيانا» دونما الحاجة إلى المرور عبر القنوات الديمقراطية المتعارف عليها, بل عبر المراحل الانتقالية التي يعطيها الانطباع ببعض التحرر من قيود السلطة القائمة . و لسنا في حاجة إلى التذكير بالظروف التي برزت فيها هذه المعارضة بأقطابها المتنافرة داخليا , والمتوافقة ظاهريا ليس ضد السلطة وحدها, ولكن ضد كل ما يخدم الشعب , بدليل موقف الحراك الشعبي من ظهور بعض رموز المعارضة في المسيرات الشعبية والذين سمعوا كلهم تقريبا كلمة «ديقاج» التي تجسد معاني الطرد ليس من المظاهرات فقط و إنما من الحراك كله . ورغم هذا الموقف الواضح من جموع الحراك تجاه شخصيات المعارضة, إلا أن هذه المعارضة المتكتلة , كثفت من تحركاتها , و جندت كل قواها بحثا عن أنجع السبل للتعبير عن رفضها للحلول الدستورية التي قد تنهي الأزمة السياسية بأيسر السبل , و الحجة أنها لا تثق في حلول تأتي من طرف رموز النظام السابق . علما أن المعارضة ذاتها بجميع أطيافها , هي التي رفضت المشاركة بمحض إرادتها في وضع هذه الحلول الدستورية ؟ لأن السلطة وجهت الدعوة للجميع من أجل المساهمة في اقتراح آلية لتنظيم انتخابات رئاسية شفافة و نزيهة لإنهاء فترة شغور منصب رئيس الجمهورية في أقرب وقت ، لكن أحزاب وشخصيات المعارضة رفضت تلبية الدعوة. ولو اجتهدت المعارضة منذ بداية الحراك الشعبي في فبراير الماضي , في ابتكار حلول دستورية تلبي مطالب الشعب بدلا من حرصها على تلبية مطالبها الحزبية السياسية, فلربما استطاعت استرجاع بعض مصداقيتها لدى الرأي العام الوطني ؟ لكن متى اختارت المعارضة المهام الصعبة لبلوغ أبسط أهدافها ؟ و متى استفادت من تجاربها السابقة سواء في علاقتها مع الشعب أو مع السلطة؟ كما أن شخصيات المعارضة الذين تقلدوا مسؤوليات في السلطة , في العقدين الماضيين أو ما قبلهما , لم يحققوا نجاحات خارقة في القطاعات التي أشرفوا عليها , تشفع لهم اليوم لدى الشعب بمختلف فئاته , و هي المسؤولية التي يسأل بعضهم عنها اليوم أمام القضاء , أو أمام الحراك الشعبي الذي عبر عن رفضه لكل رموز النظام السابق بمن كان منهم في السلطة أو خارجها . و بذلك يتكرر فشل المعارضة في استجداء الحراك, ليمنحها عذرية جديدة, يؤهلها للتنافس على حكم البلاد في النظام الجديد .