الشعب الجزائري شعبي أبي لا يرضى الظلم والهوان ولو كان من ذوي القربى فتاريخه الطويل عامر بالثورات والانتفاضات لهذا لم تستقر على أرضه الدول والأنظمة السياسية فهو قد يثور على الحاكم القديم أو يساعد في الإطاحة به أو طرده ويرحب بالحاكم الجديد الذي يحل مكانه ويثق فيه ويساعده ويمكنه من الاستقرار إن رأى فيه الخير والصلاح لكنه سيتخلى عنه أن وجد منه استعلاء وتعسفا أو ظلما وتسلطا بعد صبر وانتظار فالصمت عند الشعب الجزائري لا يعني الرضا أو الخضوع وإنما هو طريقة للتفكير والاستعداد للثورة على الحاكم مهما كانت جنسيته أو قوته ففي اللحظة المناسبة ينهض ليزيحه ويلقي به بعيدا لقد فعلها مع الفينيقيين والرومان وغيرهم فهذه هي طبيعته ولنا في تاريخه الحديث المثل الحي فقد ساعد فرنسا في الحرب العالمية الأولى والتزم الهدوء فغرها ذلك وراحت تحتفل بمرور قرن على احتلال الجزائر ولما انتهت الحرب العالمية الثانية خرج للاحتفال بالنصر على النازية والمطالبة باستقلاله فقامت فرنسا الظالمة بمجازر الثامن ماي 1945التي ذهب ضحيتها 45ألف شهيد وحاولت فرنسا بإخفاء جريمتها النكراء بإصدار دستور 1947لذر الرماد في العيون والهاء الجزائريين بلعبة الانتخابات المزور ة بقيادة نيجلان قدوة المزورين من بعده ولكن الشعب الجزائري فاجأ فرنسا بتفجير ثورة أول نوفمبر 1954وافتك استقلاله والقي بفرنسا من معها وراء البحر مرحبا بالحكام الوطنيين طائعا ومبايعا وصابرا ومصدقا لوعودهم وقد فرضوا عليه نظاما اجتماعيا وسياسيا مخالفا لحضارته وتقاليده وعاداته فوقع الانفصام بينه وبين أولئك الحكام المنبهرين بكل غريب ودخيل غير والمحتقرين لكل وطني أصيل وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين الذي كانت سياسته مزيجا من القوة والإقناع وجاء عهد الشادلي بن جديد فبدأت العيوب والنقائص تنكشف مع الإسراف والتبذير ثم الأزمة الاقتصادية وما نتج عنها من ندرة في السلع الاستهلاكية وبطالة وتذمر اجتماعي فوقعت أحداث الخامس أكتوبر1985وما تخللها من عنف من السلطة والمتظاهرين وسقوط حوالي 500ضحية فأنهت نظام الحزب الواحد بقيادة حزب جبهة التحرير الوطني والدخول في التعددية الحزبية والإعلامية والنقابية والانتقال من النظام الاشتراكي إلى اقتصاد السوق وعشنا أياما في حلم الحرية والديمقراطية وأجرينا انتخابات تعددية نزيهة سنة 1990 قبل أن يتحرك المتربصون في الداخل والخارج لاستغلال الحماس والتجاوزات والأخطاء التي وقع فيها المنتصرون الذين تعجلوا الأمور فأوقف المسار الانتخابي في جانفي 1992واقيل الشادلي وحل البرلمان وأعلنت حالة الطوارئ وبدأت العشرية السوداء أو الحمراء وفتحت المقابر والسجون والمعتقلات وغاب العقل والحكمة وكل معاني الإنسانية والأخوة وقيم الإسلام وبدأ البحث عن السلام والأمن والاستقرار لمداواة الجروح وإعادة اللحمة وتحققت المصالحة وسلمت رئاسة الجمهورية الى عبد العزيز بوتفليقة الذي جيء به من الخارج لكنه لم يكن أهلا للثقة التي وضعت فيه فقد استغل هو وعائلته والمحيطون به من العصابة الفاسدة هدوء الشعب وسكوته فعبث بمقدرات وثروات الوطن وأفسد كل شيء فيه وداس على الدستور والقانون واستبد بالحكم 20سنة كاملة وأراد المزيد رغم عجزه عن الحركة والكلام ومرة أخرى تحرك الشعب الجزائري في جمعة 22فبراير 2019 لمعارضة العهدة الخامسة فأحبطها وأفشل التمديد والانتخابات ومازال يواصل مساره السلمي مارا على الكثير من رموز النظام التي سقطت تباعا في انتظار الباقي.