تزداد الأزمة السياسية في الجزائر تعقيدا يوما بعد يوم، و يزداد معها الاقتصاد الوطني هشاشة، وبين هذا وذاك بقي المشهد يلفه الغموض، وطريقه نحو الانفراج مسدود، يأتي هذا بعد مرور أكثر من ثلاثة شهور على الثورة السلمية، التي اندلعت شعلتها في 22 فبراير الماضي، واهتز ولا يزال على وقعها الشارع كل جمعة، في ظل إصرار الشعب على رحيل كل رموز النظام السابق وتمسكه بإحداث القطيعة معه، ومحاسبة كل الضالعين في قضايا الفساد، ممن نهبوا و بددوا وتلاعبوا بثروات البلاد و أموال العباد بلا هوادة، وكانوا بطريقة أو بأخرى، سببا في كل المشاكل التي تتخبط فيها الجزائر اليوم من جهة... وتعنت الحكومة المؤقتة، المرفوضة بشدة من قبل الشعب بالبقاء من جهة أخرى، فهي في كل الحالات، شئنا أم أبينا، الحكومة التي عينها الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، الذي ثار ضده الشارع وأسقط عهدته الخامسة ودفعه إلى مغادرة الساحة السياسة إلى الأبد ... فالحكومة الحالية التي تمارس مهامها في الوقت بدل الضائع، من أجل تصريف الأعمال ذات اليمين وذات الشمال، ومواصلة تطبيق برنامج فخامته، هي في نظر الشعب فاقدة للشرعية وبالتالي فهي غير مرغوب فيها أو بالأحرى غير موجودة أصلا بالنسبة له، وفي هذه الحالة الإستثنائة وغير المسبوقة، لا يمكن تجاوز إرادة الشعب الذي يطالب بتفعيل المادتين 7 و 8 من الدستور، علما أن المادة الأولى تنص على أن الشعب مصدر كل سلطة، و أن السيادة الوطنية ملك للشعب وحده، أما الثانية فتنص على أن السلطة التأسيسية ملك للشعب، يمارس بموجبها سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها، وأيضا عن طريق الاستفتاء، ومن هنا لا يكمن تجاوز إرادة الشعب، أو الدوس على مبادئه القائمة على الحرية، مهما كانت الظروف، ومهما بلغت حدة الأزمة، طلما أن الدستور يمنح له سلطة القرار، و عليه فإن الحديث عن مشاريع وإصلاحات مهما كانت طبيعتها مع حكومة هي في واقع الأمر منبوذة، فاقد للمصداقية من الأساس، وسابق لأوانه في هذه الحالة بالذات، لأنه لا يمكن الخوض في الإصلاحات الإقتصادية، دون تتحقق الإصلاحات السياسية. على الحكومة الحالية أن تتيقن بأنه لا يمكن لها أن تسكت هذا الشعب أو توقف الحراك، بقرارات مغرية لكسب رضاه أو لامتصاص غضبه، لأن هذا الشعب واع وأكبر من أن يقبل بحلول وإصلاحات ترقيعية وعشوائية لا تسمن و لا تغني من جوع، بل وبعيدة كل البعد عن الإصلاحات الحقيقية التي تحتاجها بلادنا في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها اليوم، ويأتي في مقدمتها مكافحة الفساد بكل أشكاله وألوانه، الذي فتك باقتصاد الوطن وأدخل الجزائر في أزمة خانقة، ووضع حد للبيروقراطية، ثم رقمنة الاقتصاد الوطني وتحديث القطاع البنكي وتطويره، وغيرها من الإصلاحات المهمة التي تبني اقتصادا قويا، وليس الترخيص لاستيراد السيارات المستعملة، الذي لن تجني منه الجزائر إلا التلوث ... وإلا ما بني على باطل فهو باطل، ما لم تتوفر الظروف المناسبة والمناخ الملائم الذي يساعد على تطبيقها، لأن الفاتورة التي خلفها النظام السابق ثقيلة و ثقيلة جدا، ستتكبدها أكيد الحكومة الجديدة مستقبلا، التي يجب أن ترتكز على كفاءات وكوادر قادرة على تحمل أعباء هذه المهمة الصعبة لتجاوز الأزمة المفتوحة على كل الجبهات.