مما لا شك فيه أن الحرب المعلنة على الفساد اليوم، من خلال فتح ملفات ثقيلة وكثيرة وكبيرة، ومتابعة المتورطين فيها، من مسؤولين سياسيين وسامين في الدولة، وأصحاب النفوذ والمال المنهوب والرؤوس الكبيرة قضائيا، والزج بالبعض منهم في سجن الحراش، في انتظار البقية لأن القائمة لا تزال مفتوحة، لم تستثن حتى من أطلق حملة الأيادي النظيفة» في وقت سابق، صاحب المهمات القذرة، رئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى!! الذي مثل بدوره أمام قاضي التحقيق ... امتصت غضب الشارع إلى حد ما، لكنها لم تتمكن من توقيف عجلة الحراك الشعبي، الذي لا يزال متوصلا ومتمسكا بمطالبه المشروعة، الرامية إلى التغيير الجذري، والداعية إلى رحيل كل رموز النظام السابق، وبناء دولة الحق والقانون، ويصر ويؤكد في كل مسيرة على عدالة مستقلة، وعليه لن يهدأ لهذا الشعب بال ولن يرتاح، ما لم تتحقق كل مطالبه على أرض الواقع، وتصبح شعاراته المرفوعة ملموسة ومجسدة، ولن يطمئن إلا إذا نال كل من عاث في الجزائر فسادا، وكل الأيادي «الوسخة» التي بددت أموال الشعب وتلاعبت بها، مستغلة في ذلك مناصبها ونفوذها، على مدار العشريتين الماضيتين، جزاءه وعقابه الشديد ... غير هذا، يستحيل أن يقبل أو يقتنع بحل أو بكلام آخر. إن الوتيرة المتسارعة في فتح ملفات الفساد الثقيلة، بالموازاة مع الحراك الذي يزداد قوة واصرارا من مسيرة إلى أخرى، مهمة وضرورية رغم أنها جاءت في مرحلة جد حساسة، باعتبار أن المناخ السائد غير مناسب، بسبب عدم الإستقرار السياسي، والأزمة التي ألقت بظلالها على المشهد بشكل عام، وكذا عدم توفر الأرضية الملائمة، بالنظر إلى هشاشة مؤسسات الدولة، بما فيها قطاع العدالة، الذي طاله الفساد أيضا، حيث كان يتحرك بالهاتف وبأوامر السلطة خلال الحكم السابق، بدليل أن القضايا والملفات المفتوحة أمامه اليوم، ليست وليدة الساعة، بل إنها تعود إلى عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وتم غلقها والتكتم والسكوت عنها !! حماية للمتورطين فيها، ورغم هذا وذاك تبقى الحرب المعلنة على الفساد اليوم، خطوة جد إيجابية رغم كل الشوائب، والآراء المختلفة حولها، وحرص المؤسسة العسكرية على توفير كل الضمانات اللازمة، من أجل مكافحة ظاهرة الفساد، التي نكلت تنكيلا بالبلاد وبالشعب على حد سواء... والتي أعلنت واكدت عن دعمها القوي لجهاز العدالة، حتى يزاول مهامه في أحسن الظروف، بعيدا عن أي إملاءات أو ضغوطات، من شأنها أن تعرقل السير الحسن للعملية، وهو ما أكده رئيس نقابة القضاة يسعد مبروك، الذي نفى في تصريح سابق له، كل الشائعات الرائجة حول تدخل جهات معينة في معالجة هذه القضايا الحساسة بل والخطيرة. إن الشعب يتطلع اليوم إلى عدالة مستقلة، تحتكم إلى القوانين ويتساوى فيها الجميع، أيا كانت صفتهم ومقامهم ووزنهم وشأنهم ومنصبهم، يطبق فيها القانون على الجميع ولا يستثنى منه أحد، وتحترم فيه السلطة القضائية كاملة، بعيدا عن العدالة الانتقائية التي كانت مكرسة في عهد النظام السابق، وهو المطلب الذي يرافغ من أجله القضاة، وقتها يمكن لهذا الشعب الثائر على الحقرة والفساد والظلم، أن يستعيد ثقته في عدالة بلاده، التي افتقدها على مدار عشريتين من الزمن، كما أن العدالة المطالبة بالتحلي بالحياد والانحياز إلى الحقيقة والقانون لا غير، وقتها يمكن للمواطن أن يلجأ إلى هذه العدالة التي يطمح إليها الشعب برمته وهو مطمئنا.