كنا قد تطرقنا إلى رأينا فيما يخص تطبيق المادتين 7و8 من الدستور , التي تصر بعض شعارات الحراك الشعبي على تفعيلها لإيجاد حل للأزمة السياسية في البلاد , و من ورائها أحزاب المعارضة , و حتى أصحاب المبادرات من شخصيات سياسية و «جمعيات» و محللين و إعلاميين و كل من ركب موجة الحراك في محطته الأولى , أو في محطاته التالية , و ذلك انطلاقا من انتقاد البعض الاقتصار على تفعيل المادة 102 من الدستور , و غض الطرف عن المادتين المذكورتين (7و8). و أوضحنا أنه بالعودة إلى المادة 102 فسنلاحظ أنها وردت في الفصل الأول من باب تنظيم السلطات في نص الدستور و تنص بتفصيل على كيفية انتقال السلطة في حالة استحالة ممارسة رئيس الجمهورية لمهامه و يمكن العودة إلى نص المادة لمن يسعى إلى معرفة مجالات و حيثيات تطبيقها... حيث أن هذه المادة وضعت خارطة الطريق الدستورية لتسيير المرحلة الانتقالية خلال فترة شغور منصب رئاسة الجمهورية , و هي تحيل إلى المادة 104 التي تحيل بدورها على 16 مادة من الدستور التي تحدد المهام و الصلاحيات التي لا يمكن لرئيس»المرحلة الانتقالية» القيام بها , أو التي لايمكنه القيام بها إلا استثنائيا بعد استشارة مؤسسات دستورية أخرى . و بالتالي فإن كل المواد المذكورة في المادتين 102و 104 و ما تعلق بهما من مواد أخرى , وردت في باب تنظيم السلطات و تحديد صلاحياتها و مهامها مع آليات تنفيذها. بينما عندما نعود إلى المادة 7 سنجد أنها اقتصرت على فقرتين :»الشعب مصدر كل سلطة»و «السيادة الوطنية ملك للشعب وحده». و تفسير هذا التعميم أن المادة وردت في باب المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و في الفصل الثاني منه المتعلق بالشعب و الذي اشتمل على 5 مواد منها المادة 8 التي تحصر المبادئ العامة للشعب كمصدر للسلطة . أما كيفية ممارسة الشعب لهذه السلطة , فهي مرتبطة بالسلطات الدستورية الأخرى , أي أن السلطة الشعبية تمارس عبر مؤسسات يختارها الشعب بالاقتراع أو من خلال الاستفتاء الشعبي و كلا الطريقين تضبطهما آليات دستورية , قانونية و تنظيمية , و إلى جانب هذه الحيثيات , فإن السلطات «الفعلية» خلال الفترة الانتقالية كلها بيد مؤسسات دستورية مطالبة دستوريا بتطبيق أحكام الدستور و حمايته ممن يحاول خرقه أو تجاوزه, فضلا عن أن هذه السلطات تفسر إجراءاتها على أنها استجابة لمطالب الشعب بتمكينه من اختيار من يحكمه عبر الانتخابات في الآجال المحددة دستوريا. كما أن مبدأ «لا اجتهاد مع نص» يضعف موقف الداعين إلى الحلول السياسية , باعتبار أن القوانين وضعت لتطبق , و أن الدستور إذا لم ينفذ في الظروف الصعبة لتجاوز الأزمات الظرفية , فمن يضمن احترامه في الظروف العادية؟ و مع ذلك يجيز خبراء الفقه الدستوري إمكانية تفعيل « المبادئ العامة و القواعد الدستورية التي تحكم تنظيم الاستفتاء الشعبي كأحد مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة ,والذي يمكن الشعب من المشاركة في الحكم و ذلك استنادا على مبدإ»الشعب مصدر السلطات « حيث يتيح الاستفتاء الرجوع للشعب لأخذ رأيه في أي موضوع عام سياسي أو دستوري أو تشريعي بصفته صاحب السيادة الذي يجب الرجوع إليه في كافة القضايا التي تهم مصيره و مستقبله السياسي . و من مزايا الاستفتاء أنه يسمح للشعب رغم وجود مجالس منتخبة , بالاحتفاظ بحق البت في القرارات الهامة التي تتعلق بالمصالح العليا للدولة». بل يجيزون اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي حتى في غياب نص دستوري ينص على ذلك , و يستدلون على ذلك بأمثلة من تجارب الديمقراطيات العريقة , كبريطانيا التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي عبر الاستفتاء الشعبي الذي لا وجود له في قوانينها , و كفرنسا التي استفتت الشعب الجزائري على استقلاله دون أن يكون في دستورها ما يجيز هذه الخطوة ... غير أنه حتى هذا الاجتهاد يبقى رهن التوافق على آليات تنفيذه و مضمونه و الأطراف المؤهلة للإشراف عليه , كما أنه لا يوجد أي اجتهاد قانوني أو دستوري , يسبغ حكم «الاستفتاء» على أي حراك شعبي مهما بلغ حجم المشاركين فيه , لأن الاستفتاء يخضع هو أيضا لأحكام و آليات دستورية و قانونية , ليس هناك ما يحول دون اعتمادها عند الاقتضاء في الحالة الجزائرية , لكن في هذه الحالة , فتنظيم انتخابات رئاسية يبقى الطريق الأقصر لتجاوز الانسداد الحاصل , و كما سبق و أن ذكرنا فإن « تجاوز الانسداد قد يكون في قلب المعادلة التي تتمثل في «مرافقة الجيش للحراك الشعبي» لتصبح «مرافقة الحراك الشعبي , للجيش و للسلطة الانتقالية في تغيير نظام الحكم بالشكل الذي يستجيب لمطالب الشعب «. خاصة بعد قرار المجلس الدستوري باستحالة تنظيم الانتخابات الرئاسية في تاريخها المحدد يوم 4 جويلية , مما يمدد الفترة الانتقالية إلى حين تنظيم هذا الاستحقاق الرئاسي , وتسليم رئاسة الجمهورية لرئيس منتخب. و بالتالي فإن الأحكام الدستورية تتكامل في تحديد خطوات الخروج من الأزمة , خلافا للمبادرات السياسية التي تختلف و تتباين من حزب لآخر أو من تيار سياسي لآخر , أو من مجموعة شعبية إلى أخرى أو بحسب آراء و مواقف و خلفيات أصحاب المبادرات المختلفة. و مع ذلك فهذا لا يعني انعدام هامش للتوافق بين جميع هذه الأطراف دون الخروج عن مظلة الدستور ,و يكفي لذلك الجلوس حول طاولة الحوار دون إقصاء أي طرف مع الاستعداد لقبول التنازلات المتبادلة , لإيجاد الآليات التي تتيح تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة بالشكل التي تعبر بالفعل عن الاختيار السيد للهيئة الناخبة , للرئيس السادس للجزائر المستقلة.