أثبتت الحرب المعلنة على الفساد، الذي نخر اقتصاد البلاد، من خلال فتح قضايا ثقيلة وكثيرة، التي أسفرت لحد الساعة، عن كشف المتورطين فيها، من مسؤولين سياسيين كبار وإطارات سامية سابقة في الدولة، وكذا أصحاب النفوذ والمال العام المنهوب، الذين برزوا في عهد بوتفليقة، ممن أحيلت ملفاتهم على العدالة، حيث زج بالبعض منهم إلى سجن الحراش، ووضع عدد منهم تحت الرقابة القضائية، في حين لا تزال البقية قيد التحقيق ... عن حجم الأموال المستنزفة من خزينة الدولة، تحت غطاء الصفقات العمومية، التي كانت تمنح للأوليغارشيا خلال الحكم السابق، التي استحوذت على كل الصفقات، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال، ربط الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها بلادنا اليوم، بالأزمة السياسية و حالة الإنسداد، والحراك الشعبي المتواصل، في ظل عدم التوصل إلى حل وسط، يستجيب لمطالب الشعب من جهة، ويرضي السلطة من جهة أخرى. إن معالجة القضاء لملفات الفساد الثقيلة في هذا الظرف الحساس بالذات، جاء استجابة لمطالب الحراك الشعبي، الذي طالب بوضع حد له وكشف كل المتسببين فيه، حيث لا زال يصر ويؤكد في كل مسيرة، على ضرورة محاسبة ومعاقبة كل المتورطين في قضايا الفساد المتعددة، مما لاشك فيه، أن الإقدام على هذه الخطوة المهمة والتاريخية، أعاد الأمل وبعث الارتياح في نفوس كل المواطنين، الذين عانوا الأمرين من الأوضاع المتردية جراء الفساد، الذي بلغ درجة عالية من التعفن خلال العقدين الماضيين، بطريقة لم يستوعبها العقل وفاقت كل الحدود، بل وبات السكوت عنها جريمة كبرى، ورغم الآراء المتباينة حول الحرب المعلنة على الفساد، التي ثمنتها الأغلبية، وتحفظت بشأنها الأقلية، التي أجمعت على أن التوقيت غير مناسب، بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه البلاد، فإن وقوف العديد من الوزراء أمام قاضي التحقيق، امتص القليل من غضب الشارع، الذي ثار في 22 فبراير الماضي، على الفساد السياسي، الذي استشرى وكاد أن يؤدي بالبلاد والعباد إلى الهاوية والهلاك. لقد تبين أن الصفقات العمومية، خلال العقدين الماضيين، وجدت أصلا لأغراض شخصية، حيث كانت قائمة على المحسوبية والجهوية والرشوة والعلاقات الإجتماعية والولاءات، التي شكلت النواة الأساسية للعصابة ومافيا المال المنهوب، ممن عاثوا في الجزائر فسادا، واستأسدوا بسبب علاقتهم الوطيدة بمنظومة الحكم السابق، التي عبدت لهم الطريق ووفرت لهم كل الظروف المناسبة، وجعلتهم فوق القوانين والمحاسبة، حيث ظهر فجأة أثرياء فوق العادة، كانوا نقمة على الاقتصاد الوطني الذي ألحقوا به أضرارا جسيمة، فهم سبب كل الأزمات التي تتخبط فيها بلادنا اليوم، والتي تكبدها الشعب لوحده خلال السنوات الماضية، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعله يكسر حاجز الصمت والخوف، ويثور ضد الفساد السياسي والاقتصادي المكرسين، ويطالب بمحاسبة كل الضالعين في تبديد ونهب أموال الشعب بغير حق. °°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°