كانت ساحة الطحطاحة بالمدينة الجديدة (وهران) خلال فترة الاستعمار الفرنسي فضاء للشعراء والفنانين سيما، في موسم الصيف وخلال شهر رمضان الكريم، حيث كان يقصدها شعراء الملحون من كل حدب وصوب للتغني بجمال الباهية والجزائر وتوعية الناس بضرورة الكفاح والنضال للتحرر من ربق الاستعمار، في جلسات شعبية لها نكهتها الخاصة ، من خلال قصائد في الشعر الملحون ، لا تزال إلى اليوم خالدة في السجل الثقافي لمدينة الباهية العريقة، وأغلب هذه القصائد كُتبت عن الوطن والمرأة ، وما ميز هذه الجلسات الشعبية أكثر الأنغام البدوية التي كان تُعزف على الناي والطبل والبندير . « الطحطاحة « باللهجة الجزائرية تعني « الأرض المستوية والواسعة « ، وقد ارتبطت تاريخيا بحادثة مقتل 74 جزائريا في تفجيرات قامت بها منظمة الجيش السري الفرنسي في 28 فبراير 1962، ما يجعلها ذات قيمة تاريخية وفنية هامة، ولحد الآن كل من تطأ قدماه مدينة وهران عليه أن يزور ساحة الطحاطة، ليكتشف سحرها الذي لازال عالقا في الشوارع والطرقات،.. في أرضية المكان وحتى في السوق الشعبية المزينة بطاولات الباعة هنا وهناك، ..والكل ينادي بأعلى صوت « .. قرّب وشوف السلعة والسومة .. !!» .. نعم .. !! إنها الطّحطاحة التي جلس فيها فطاحل شعراء الشعبي وفنانو البدوي، ..إنها الساحة التي كانت تصدح بأسطوانات المشايخ الكبار في مختلف المقاهي على غرار الشيخ بوراس، الخالدي، حمادة الرمادي وغيرهم، وهي القصائد التي وصل بفضلها الكثير من الفنانين إلى العالمية أمثال الشاب خالد، وألهمت الملحنين والموسيقيين وجعلت أشهر المطربين يتغنون بها وبسحرها وعراقتها أمثال فنان الأغنية الوهرانية هواري بن شنات والمرحوم بلاوي الهواري الذي ارتبطت مسيرته الفنية بهذا المكان العريق، فهو من مواليد سنة 1926 بسيدي بلال بالمدينة الجديدة ، والده» محمد التّازي» كان عازفا على آلة «الكونتيرة»، وكان له مقهى بساحة الطّحطاحة ، أما شقيقه» قدور بلاوي» فكان عازفا على آلتي «بانجو» و«ماندولين» ...و إلى جانب بلاوي الهواري علينا أن نتحدث أيضا عن المطرب والمؤلف أحمد صابر، الذي اقترن اسمه بالأغاني السياسية الملتزمة ، ..اسمه الحقيقي بناصر بغدادي، ترعرع في « الطحطاحة « التي عمل بها ككاتب عمومي، وهو أوّل مطرب جزائري، قدم أغاني فضح من خلالها الفاسدين والمُرتشين، فكانت كلماته مرآة عاكسة لما كان يحدث في الوضع السياسي آنذاك ، احتكاكه بالمواطنين بحكم عمله ككاتب عمومي ، ساعده على ترجمة همومهم وسرد معاناتهم ، ..كما كان قريبا جدا من شعراء الملحون من بينهم الشاعر عبد القادر الخالدي الذي أهداه مجموعة من القصائد، من بينها قصيدته الشّهيرة «جار عليّ الهم». . وعندما نشير إلى «الطحطاحة « علينا أن نتوقف عند «خُشة بن داود» التي أنجبت شهيد المقصلة أحمد زبانة و «خشة التازي» حيث سكن المغني الشهير بلاوي هواري ، دون أن ننسى «حوش تنمتاش» و «حوش حداش» في زنقة بن قانة،..علينا أيضا أن نستذكر المجاهد عبد الغني بلاّل الذي كان يعمل ككاتب عمومي هو الآخر في ساحة الطحطاحة، و أيضا « بن شاعة «بوطرطيقة» المدعو الحكلاوي الذي اختص في الأغاني الهزلية ..و أسماء أخرى كتبت اسمها من ذهب في السجل التاريخي لساحة «الطحطاحة» العريقة التي لا تزال إلى اليوم شاهدة على بطولاتٍ وتضحياتٍ وحكايات ،ستظل راسخة في إرثنا الثقافي والثوري على مدى قرون..