هارون الكيلاني ابن الأفواج، الذي عشق الفن الرابع وعشقه الفن، الباحث الذي الذي يجرب في كل مرة ما لم يسبقه إليه أحد...هارون الذي دخل عالم المسرح في سن الشباب، فأجاده لأنه قارئ جيد ، فلولا قراءته الجيدة وتفكيك ما يقرأه من نصوص، ما كان يصل إلى التفوق على أقرانه في مدينته "الأفواج" أولا، ثم في الولايات الأخرى سواء في الإخراج وحتى في تصميم السينوغرافيا، وفي الأداء أو في الكتابة، إذ في حوزته مجموعة من النصوص التي توفر الفرجة الجميلة ومتعة الفن بالكلمة. هارون الذي يعشق التجريب اشتغل كثيرا على نصوص تتخذ من الفضاء المفتوح مجالا لعرضها، فقدم أعمالا عديدة خارج علبة المسرح، لتُعرض في قصور قديمة بمدينة الأفواج ، كما كانت له تجربة في عروض مسرح الصحراء بالإمارات العربية. هارون له ولع بكل ما هو جديد في عالم المسرح، تجاربه العديد وغوصه في أعمال كتاب لهم باع طويل في فن الخشبة، مكنه من احتلال مكانة في المشهد المسرحي ببلادنا، لتمتد تجربته إلى خارج الجزائر كمخرج ، وقدم في ذات الوقت تجربته في موريتانيا، وهي واحدة من التجارب الجيدة التي توجت بعرض جيد مع عناصر موريتانية كونها هارون الكيلاني، هذا الأخير الذي كرم في مصر والعراق، وحاز على الكثير من الجوائز المسرحية . لم يكن الحظ إلى جانب هارون في بلده الجزائر رغم كل الأعمال الجيدة التي أنتجها بدءا من الأغواط ، مرورا بعدة مسارح جهوية والمسرح الوطني، أذكر أن أول مرة أشاهد له عملا كان سنة 2007 في مهرجان المسرح المحلي المحترف بمدينة عنابة ، وكنت حينها في لجنة التحكيم، وكدت أتصادم معه ، لأنه لم يحتل مرتبة تؤهله للمشاركة في مهرجان العاصمة و هو لم يتقبل الأمر. وقد تحدثنا كثيرا بعدها واقتنع .ويومها اكتشفت فيه شغفه الكبير بالمسرحي" فرناندو ارابال" الذي يشتغل كثيرا على مسرح التصادم ، حيث أن الكيلاني اشتغل على نصوص هذا الرجل .وقال لي يومها إنه سوف يستدعي " ارابال" إلى " الأفواج"، ليتحدث عن مسرحه ، ولكن جرت الرياح بغير ما كان يريده . بعدها تكررت مشاهدتي لأعمال الكيلاني بمسرح سيدي بلعباس والمسرح الوطني ومسرح عنابة ، وصولا إلى آخر أعماله مع مسرح قسنطينة من خلال مسرحية " آه يا ليل " ، التي كتب نصها الكاتب عبد الكريم برشيد . هارون الكيلاني يعد من الأسماء المتميزة في الحركة المسرحية في الجزائر، وهو أحد الوجوه الجديدة التي تجاوزت الجيل السابق ، ..إن ما يقوم به هذا الفنان من تجارب سواء في الكتابة أو الإخراج، جدير بالوقوف عنده ودراسته من عدة جوانب عديدة ، فهو فنان يكاد أن يكون شمولي المعارف، ورغم أنه قد تم تقيم بعض الرسائل الجامعية حول تجربته إلا أنها غير كافية . تجربة هارون الكيلاني المسرحية، تحتاج إلى الكثير من الدراسات ، فالحركة المسرحية عندنا بحاجة إلى جنون كيلاني المسرحي، لصنع فرجة ممتعة ، وتقديم تجربته إلى الحيل الصاعد من المسرحيين ، هارون مسرحي من طينة الكبار ومثقف، له وعي كبير بما يعمل، وكم نحن في حاجة إلى أمثاله من المسرحيين لدفع عجلة المسرح في الجزائر نحو الأجود والأرفع.