منذ وصول " مانويلا " إلى ذلك المعسكر ، والانتصارات متلاحقة لجيش البردادي، كانوا يرون فيها بشارة خير، أرسلها لهم الله، و زاد انبهارهم بها بما أظهرته من قدرات عقلية خارقة للعادة، تتكلم اللغة العربية بطلاقة و تتقن عدة لغات، حفظت القرآن الكريم في وقت وجيز جدا ، بالإضافة إلى صحيح البخاري و كتب أخرى،.. كانت لها القدرة على قراءة أفكار من يحدثها، و ذلك بتشغيل شرائح مزودة بها، و لم يدرك أحد أنها امرأة آلية، من خلالها تمكنت الروائية من رصد ما يجول في خاطر هؤلاء، و تحليل أفكارهم وعواطفهم الهائجة في أعماقهم، و ما تحويه رؤوسهم من خرافات و غيبيات لا يقبلها لا عقل و لا منطق ولا دين. رغم كل تلك الانتصارات من ذبح و تقتيل و تفجير و نهب وسلب و سبي..ينهزم جيش البردادي أمام القوة التي تحاربه، فيضطر إلى الهرب إلى جنوبالجزائر، ومنها الذهاب إلى الأندلس الضائعة، و التحضير من هناك لعمليات إرهابية جديدة في جنوبفرنسا بمدينة بواتيي، للانتقام من التاريخ و ذلك بعد وصول الكثير من السلاح و الذخيرة. في الرواية بطلة أخرى، السيدة (حدة آل ميمون) هي امرأة يهودية تقيم في اسبانيا، رفضت العيش في إسرائيل، التحقت بالبردادي ومنحته كل ثروتها الطائلة، بغرض الانتقام من الذين قتلوا أجدادها وما فعلته محاكم التفتيش من تعذيب وقتل اليهود وذلك بعد سقوط مدينة غرناطة سنة 1492 م وطرد المسلمين من الأندلس نهائيا، نرى مرة أخرى من هذه الحادثة درجة هوس هؤلاء بالتاريخ، وولعهم بالانتقام من أحداث مات أصحابها منذ مئات السنين، و كأنهم سينتقمون من الهواء أو الريح أو الوهم البالي الذي تكاثر في أعماقهم. في الرواية أحداث أخرى مرتبطة بصلب الموضوع، يستحيل ذكرها كلها، وأترك للقارئ اكتشاف النهاية التي من المؤكد لم يتخيلها، في رأيي ستدهشه وتترك فيه ذلك الأثر الرائع. أسلوب الرواية اتسم بالاقتصاد في اللغة وبالبساطة في السرد الروائي دون اللجوء إلى كلمات غريبة أو معقدة هذا ما جعل فيها تلك السلاسة والسهولة والمتعة أثناء قراءتها، بحيث يصعب على القارئ تركها إلى أن يفرغ منها، وربما سيفكر في إعادة قراءتها بعد فترة معينة، ليعيش من جديد تلك اللحظات الممتعة التي تثير الشعور بالإيجاب تارة و بالسلب تارة أخرى حسب الحدث الذي ترويه الروائية التي عرفت كيف تجذب القارئ إلي روايتها، و تغذي فكره بمعلومات ربما لم يكن مطلعا عليها، كما اشتملت الرواية على مقاطع حوارية عديدة استعملتها الروائية، لتتمكن من تحليل بعض أفكار و مشاعر أبطالها ربما من الصعب سردها، و لا نجد في الرواية إلا بعض الصور البيانية التي لم تتعمدها الكاتبة، في رأيي أتت بطريقة عفوية أثناء السرد، و ذلك لانشغالها الكبير بسرد الأحداث و طرح الأفكار و إيصال الرسالة للقارئ.