ينبغي علينا أن نسلم من البداية أن المشهد الأدبي الجزائري يكاد يخلو خلوا تاما من ما يسمى النقد التوثيقي الذي يقدم للقارئ مسحا إحصائيا يلم بعدد من الأعمال الروائية المنشورة باللغة الفرنسية أو المترجمة إليها، الحاضرة في الفضاء الثقافي الفرنسي لمعرفة أوجه الاختلاف بين ما هو مكتوب باللغة الفرنسية، أو ما هو مترجم إليها في مجموعة من الأعمال تخضع فيها النصوص الروائية "لمسح خرائطي" بتعبير " جيل دولوز " تحيل على تواريخ نشرها وترجمتها مضبوطة وخالية من الهفوات المنهجية . ولا بأس أن تذيل ببعض المقتطفات مما كتب عنها في النقد الصحفي والأكاديمي معا على غرار ما فعل الروائي والمفكر عبد الكبير الخطيبي في الستينيات من القرن المنصرم في كتابه " الكتابة والتجربة " ، عندما قدم مسحا شاملا استعان فيه بما يسمى ب " السوسيولوجيا الإحصائية " لعدد من الأعمال الروائية المكتوبة الفرنسية في كل من الجزائر والمغرب وتونس ، وهي الحالة الوحيدة التي لجأ فيها الخطيبي لاستخدام بعض إنتاجية السوسيولوجيا الإحصائية، لأن ما يعرف عن الخطيبي هو أنه كرس كل جهده السوسيولوجي إلى نوع آخر من السوسيولوجيا وهو السوسيولوجيا التأملية القريبة جدا من النسق الفلسفي . على الرغم من أن المنطق يقول أن للرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية النصيب الأكبر من الحضور في الفضاء الثقافي الفرنسي من نظيرتها المكتوبة باللغة العربية والمترجمة إلى الفرنسية، لوجود عدد من دور الفرنسية التي تفضل نشر النصوص الروائية المكتوبة أصلا بلغته ، وهذا حقهم الطبيعي في بلد يريد أن يحافظ على عدد من المكاسب الثقافية ومنها المكسب اللغوي في علاقته بما يرد إليه من مستعمراته القديمة خاصة عندما يتعلق الأمر بكتاب فضلوا الإقامة بباريس . وهناك منهم من عاش تجربة المنفى لإعتبارت سياسية أو اختيارية بكل إيجابياتها وسلبياتها معا ، كتجربة تستدعي نوعا مما يسميه الناقد الهندي ما بعد الكولونيالي هومي بابا ب " الفضاء الثالث "، يضاف إلى ذلك جملة المعوقات التي تحول دون حضور المنتوج الروائي المكتوب باللغة العربية والمترجم إلى الفرنسية في فرنسا، ومنها خلو الفضاء الثقافي الجزائري من مؤسسات تعنى بالترجمة ترجمة المنتوج الإبداعي الجزائري إلى اللغات الأخرى . وهذا الفراغ المؤسساتي ترك فعل الترجمة الأدبية بين أيدي الأهواء الشخصية والمناسبات الظرفية، ولم يتحول فعل الترجمة الأدبية إلى مشروع مدروس بعناية وتسهر عليه نخب مختصة مزودة بعدد من الكفاءات التقنية والترجمية بتمويل من الوزارة الوصية وزارة الثقافة والوزارات الأخرى المعنية بهذا الهم المشترك . ناهيك عن سبب آخر وهو ما ذكره الروائي التونسي " ألبير ميمي" في مقاله الشهير " الوطن الأدبي للمستعمر"، فأرجع سبب ذلك إلى صعوبة التغلب على "عقبة سيكولوجية موجودة بأعماق المستعمر في التحقير الذي يعامل به المتمسكين في الكتابة بلغتهم الأصلية "، وثمة بعد ثالث لا بد من أخذه بعين الاعتبار وهو أن عدد النصوص الروائية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية والمترجمة إلى الفرنسية قليلة جدا، لغياب الدعم والتشجيع وانعدام الظروف المساعدة على فعل الترجمة، وأكثرها عادة ما يرتبط ببعض المناسبات السياسية الظرفية ( تظاهرة سنة الجزائر في فرنسا مثلا )، أو نزولا عند رغبة بعض دور الفرنسية القريبة جدا من دوائر الإستشراق الكلاسيكي الفرنسي . فباستثناء بعض الجهود لمترجمين من طراز محمد ساري والسعيد بوطاجين والكاتب والمترجم البارع مارسيل بوا الذي كان له الفضل الكبير في ترجمة عدد مهم من الأعمال الروائية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية إلى الفرنسية، ومن ثم تقديمها للقارئ الفرنسي أعمال الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة والأعرج واسيني وغيرهم ، وليس من قبيل الإدعاء القول أن ( العدالة اللغوية ) عير موجودة في الجزائر فكيف لنا أن نعثر عليها في فرنسا ... ؟ . ملاحظة : فكرة هذا المقال إستقيناها من الاستطلاع الذي أجراه الصحفي والروائي حميد عبد القادر، وشارك فيه عدد من الكتاب الجزائريين ..