"بقدرما منح الدستور الجديد حقوقا للمواطن كلفه بالواجبات ؛ فالمواطن له واجبات مقدسة تجاه الوطن في كل الظروف حتى يكون مواطنا واعيا مسؤولا" ...مثل هذه المقولات ينبغي وضعها في سياق موضوعي لتتضح التوجهات الأساسية للتعديل الدستوري المقترح, وهو تعديل يسعى بالدرجة الأولى إلى سد الثغرات التي كشفت عنها الأزمة السياسية الأخيرة الناجمة عن زوال النظام السابق , وتعويضه بنظام بديل, لكن دون المساس بما تعتبره معظم الفئات الاجتماعية حقوقا مكتسبة لا مجال للتفريط فيها, بل والضغط لدعمها أكثر, وهو ما حاول التعديل الدستوري الجديد مسايرته من خلال تكريس واجبات الدولة بالدرجة الأولى عبر الحفاظ على دورها الاجتماعي و تأطير التحولات الاقتصادية التي خصها التعديل الدستوري بكامل الاهتمام الذي تستحقه كونها جوانب تمليها مسؤولية الدولة في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. إذ يضمن الدستور الجديد "الملكية العمومية لباطن الأرض والمناجم والطاقة والنقل بالسكك الحديدية والبريد،... كما نص أيضا على عقلنة استغلال الموارد الطبيعية وضمان الحفاظ عليها للأجيال القادمة، بالإضافة إلى الحفاظ على المكاسب الاجتماعية كمجانية التعليم وتوفير الصحة ودسترة الضمان الاجتماعي لكل الجزائريين". وكذا إقرار واجب الدولة في حماية الأراضي الفلاحية والموارد المائية , وتعزيز وتوظيف الضمان الدستوري لحرية الاستثمار و التجارة , تحفيز الدولة للمؤسسة الاقتصادية بدون تمييز حول طبيعتها, وتأكيد واجب الدولة في تنظيم السوق وحماية المستهلك, و مسؤوليتها في منع الاحتكار والمنافسة غير الشريفة وفي حماية الاقتصاد من الرشوة ومن المعاملات غير الشرعية و في مكافحة الغش الجبائي وتهريب الأموال ... وتأكيد دور الدولة في حماية الطفولة والمسنين و المعوقين . والغريب أن كل هذه الجوانب تستغل سياسيا لانتقاد السلطات العمومية واتهامها بالتقصير في التكفل بها, غير أن المنتقدين أنفسهم يعتبرون دسترة هذه الجوانب ودعمها بعدد كبير من التعديلات, من الأمور الشكلية التي لا تستوجب عنايتهم ؟ ومن هنا علينا ان نعترف بتقصيرنا معشر الصحافيين في التزام الموضوعية في تقديم المشروع التمهيدي لتعديل الدستور بكامل جوانبه وفصوله, إلى المواطنين والمواطنات . فكلنا حاولنا بطريقة أو بأخرى التركيز على المواد والفصول التي تلقى هوى لدى المواطن, كالحقوق والحريات الفردية والجماعية وواجبات الدولة و مؤسساتها في الحماية الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين فرادى وفئات, وكالجوانب المتعلقة بالسلطات والمؤسسات الدستورية وتسييرها . أبواب جد هامة و الواقع أن هذه الجوانب تستحوذ على أكثر من 95 في المائة من مواد الدستور السابق و كل المواد التي أضافها مشروع التعديل الجديد, و بالتالي قد نتفهم استحواذها على اهتمام الصحافة والمحللين والمعلقين والسياسيين, الذين خصوها بالشرح والتوضيح تارة وبالنقد والتجريح تارات أخرى. وإذا كان تهافت هؤلاء على المواد المهتمة بالحقوق بشتى وجوهها و درجاتها , كونها لقيت هوى في نفوسهم , وعبرت عما يصبون إليه, أو لأنهم أرادوا أن يجعلوها أكثر تلبية لرغباتهم وأوسع لإشباع حب الحقوق (الذات) لديهم, فهذا مسعى قد يجد له النفسانيون تبريرات موضوعية له, أما إذا كان الدافع هو محاولة جعل أيدي الدولة مغلولة إلى عنقها بكثرة الحقوق, على أمل أن تعجز في التكفل بها كلها, أو كان الهدف تقليص حيز الواجبات إلى أدنى حدودها, بحيث تحتاج إلى كتابة موادها الست بالبنط العريض, للفت الانتباه إليها , فإنها محاولة مآلها الفشل من حيث المبدإ , لأنه ما من حق يؤسس, إلا وقاعدته واجب من الواجبات, حتى وإن أصبح الحديث عن الواجبات في الظرف الراهن حديثا مؤجلا . ومع ذلك , كان من واجبنا التذكير بان الدستور يشتمل على باب ثان خاص بالحقوق الأساسية والحريات العامة والواجبات موزعة على فصلين احتوى اولهما 40 مادة عددت الحقوق الأساسية و الحريات العامة للمواطنين والمواطنات بينما تضمن الفصل الثاني 6 مواد حصرت الواجبات من المادة 78 التي تنبه بأنه"لا يعذر أحد بجهل القانون ..." مع تعديلها الذي ينص على عدم الاحتجاج بالقوانين والتنظيمات إلا بعد نشرها بالطرق الرسمية ... إلى المادة 83 التي توجب على المواطن حماية الملكية العامة و مصالح المجموعة الوطنية وان يحترم ملكية الغير . وقد أضافت المادة 82 تعديلا شكليا بخصوص الواجبات نحو الضريبة, بينما أوجبت المادة 79 على المواطن حماية وحدة الشعب زيادة على استقلال البلاد وسيادتها وسلامة ترابها الوطني وجميع رموز الدولة و نبهته إلى أن القانون يعاقب بكل صرامة على الخيانة و التجسس والولاء للعدو وعلى جميع الجرائم المرتكبة ضد امن الدولة . يجب التنبيه في الأخير إلى أن هذا الفصل "الواجبات" يبدأ بالمبدإ الذي يؤكد أنه " لا يعذر بجهل القانون". لينبه الغافلين أنه لا جدوى من القراءة الانتقائية للتعديل الدستوري و للقانون عامة.