المطر مضرب عن السقوط، لم يحز في نفسه أن يغسل الفرح الملون الساكن في عيني ، رغم الغيوم الثقيلة في السماء. كانت أمامي منتصبة ترمقني بلطف كسفينة أرهقها السفر، وبالها يسبح في الفضاء فتركت عينيّ تسافران .. لتستقرا في رياض عينيها الزرقاء. عيناها التي أرادت أن تقتل الحقد والكراهية العمياء.. أن تقتل الخيبة والكبت ..أن تقتل الصمت والتأملات البلهاء كانت نظراتها مسكونة بالفرح الأخضر والأحزان السوداء. ما أشد فتنة عينيها..وما أشد رعب العيون التي أراها ..تلك العيون التي كانت تهمس لي :أيها المتيم الذي لا مأوى له..مأواك في عينيّ..لا في خواطرك العصماء. سأشيد لك مضجعا من رخام ومرمر،تقضي ما تبقى لك من العمر، ولن تضجر.. في عينيّ.. الحياة مليئة بالنعومة والعذوبة والطيبة والصفح والصفاء في عينيّ..الشواطئ تغازل البحار،والدوالي متكئة على مخدة من عبير تسكب الماء من السواقي ..من الأنهار. في عينيّ..أشجار الكرز والرمان، ومدائن من الضوء وأوشحة من فضة ومن ذهب ومسارح ومروج خضراء ..وأقمار... كنت أحلم بالمكوث بعينيها طول عمري..كنت أراها مستحيلة..كنت أرى دروبها وعرة وعليّ أن أركب المخاطر..أن أتسلق الأسوار. وشرعت تسقط الأمطار.. استأذنتني عيني..وبدأت في البكاء.ودمعة وميضة كان عنوانها ..أفضّلُ البقاء. و في وقت ما أنقطع المطر. . هل مضى وقت طويل على سقوط المطر.. أم قصير ؟لا أدري.أ طويل كان أم قصيرا كنتُ غارقا في التفكير.. تكبلني التساؤلات و التّخيّلات،وتضربني الأعاصير فلمحت أن عينيها قد اغتسلتا بالأسى..لكنهما تركضان نحو فرح ما..تركضان وراء موجة من الدفء..كانتا تبحثان عن قصة من قصص الوفاء. وابتسمت عيوننا..أجل ابتسمت. فابتسامة العيون لا يراها أحد.لا يراها إلا من أدمنها ..من احترق بلهيبها.لا يراها إلا من قرأ ديوان الشعر،وهام بين أوراق الصفصاف ..وقرأ قصيدة الأميرة الحسناء. لم تتركني عيناها.. منحتني تأشيرة الإقامة الدائمة ،فأحسست بأن دمي يهتز في داخلي .. يخفق .. يعربد بالخوف واللذة معاً...تنفست بجموح،وعقدت العزم ألا أبرح عينيها الفيحاء. وهل يمكن لغيري أن يتمنى أكثر من هذه النظرة؟من نظرتها التي تضئ الدنيا صباح مساء؟....