تتميز الحياة السياسية للدول بنشاط الأحزاب التي تتداول على السلطة و الحكم فيها و و تشارك بفعالية في تنشيط المشهد السياسي كلما اقتضت الأحداث ذلك من طرح القضايا وفتح مجال المشاورات و التحالفات و تثير الكثير من الجدل و الملفات السياسية ، كما تتفاعل مع الهيئات السياسية و المجالس المنتخبة في المصادقة على القوانين و التشريعات والتعديلات المختلفة و خاصة قانون المالية ونصوص القوانين المقترحة من الهيأة التشريعية لمناقشة وتصويت نواب البرلمان المنتمين إلى هذه الأحزاب ،كما يتقلد أعضاء الأحزاب مناصب وزارية و حتى منصب رئيس الحكومة وفق ما تمليه نسب تلك الأحزاب في البرلمان . و هكذا فإن رؤساء الأحزاب يشغلون مناصب وزارية ويقودون الحكومات المتعاقبة فضلا عن بروز الأحزاب القوية ذات الحضور الجماهيري والانتخابي الكبير في المشهد السياسي كفاعل له رأيه واتجاهات سياسته و خطط عمله بخصوص التنمية والتكفل بقضايا المواطنين و مناقشة السياسة الداخلية والخارجية لذلك البلد فهي أحزاب يفضل بعضها كرسي المعارضة، ويخوض البعض الآخر منها غمار المعارك الانتخابية ويسعى بكل جهوده إلى استقطاب جمهور الناخبين ،و هو ما يحدث عادة في عدد من الدول المتقدمة و في بلادنا التي عاشت لعقود طويلة تحت مظلة وحكم الحزب الواحد لتدخل ابتداء من العام 1988 مرحلة التعددية السياسية والإعلامية سجلت الأحزاب السياسية مشاركة قوية في بداية الفترة الانتقالية تلك من فترة الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية و صالت وجالت ،لكن سرعان ما خفت نشاطها لأسباب سياسية كثيرة خاصة بعد العشرية السوداء و سنوات الإرهاب التي تزامنت معها ،وأصبح أداؤها محتشما دون المستوى والمحتوى و النشاط المطلوبين . غياب شبه كلي عن الساحة السياسية لقد ارتبطت مشاركات ونشاطات الأحزاب السياسية في الجزائر بالمناسبات من انتخابات محلية - بلدية و ولائية -،وتشريعية ورئاسية ، و استفتاءات حول الدستور و الميثاق الوطني ومشاركة باهتة لنوابها تحت سقف قبة البرلمان في جلسات المصادقة على القوانين والتشريعات الجديدة و المعدلة ،كما أن تلك الأحزاب أدلت بآرائها في أحداث وطنية و ساهمت قدر الاستطاعة في إثراء الساحة السياسية كلما تعلق الأمر بقضية وطنية أو مخاطر تهدد الوطن ،أو تطورات سياسية واجتماعية عميقة في البلاد و لم تكن لتغيب عن إحياء المناسبات الوطنية ، لكن كل هذا نتج عنه نشاط محدود بعيد عن مطالب وطموحات الشعب وهموم الناس وانشغالاتهم و قد برز ذلك واضحا خلال الحراك الشعبي 2019 حين رفض الشعب كل الأحزاب وأدان ممارسات الفساد التي ارتكبها رؤساء تلك الأحزاب وتواطئهم مع رجال السياسة الفاسدين ،ولهذا فقد سئم الشعب ومجموع الناخبين من ارتباط نشاط الأحزاب بالمواعيد و الاستحقاقات الانتخابية فقط لضمان مقاعد لها في البرلمان والمجالس البلدية و الولائية و الفوز بفرصة تسيير الولايات والبلديات ،حيث تسلط الحملات الانتخابية الضوء على هذا الحزب أو ذاك و تفتح المكاتب الخاصة بها وتصدر البيانات الصحفية ،و تنظم الندوات الصحفية والتجمعات الشعبية طيلة عمر الحملة ليعود الصمت والغياب يخيم مجددا وينسى المواطن أو يكاد تلك الأحزاب بمجرد انتهاء تلك الانتخابات في الجزائر التي تضررت كثيرا من الفساد الاقتصادي و كذا السياسي حيث ساهم بعض زعماء الأحزاب تحت غطاء الحصانة في استشراء وتفشي الظاهرة ونهبوا و استحوذوا على ثروات عندما جمعوا بين ممارسة العمل السياسي كطبقة سياسية ومناصب وزارية فتحت لهم المجال واسعا لدخول سوق نهب الثروات والامتيازات وفرض قانونهم، و من هذا المنطلق يبرز جليا للأنظار أن دور وأداء الطبقة السياسية ممثلة في الأحزاب السياسية كان رديئا جدا فيما يتعلق بما كان ينتظر من الأحزاب من أجل الاهتمام بانشغالات المواطنين والقيام بما يمليه عليهم وضعهم كطبقة سياسية تساهم في تحقيق الديمقراطية والشفافية وتلعب دور الساهر على مصالح البلاد والعباد و محاسبة من يتجاوزون القوانين والتشريعات . المصالح الخاصة ..الأجندة الحقيقية ؟ لكن ما سجلناه ولا نزال هو أن زعماء الأحزاب قد استغلوا مناصبهم تلك للحصول على امتيازات و تجاهلوا دورهم كممثل للشعب في الهيئات المنتخبة و مدافع عن مصلحة وثروات البلاد و لعل المطلوب اليوم من هذه الأحزاب هو إعادة تكييف أدوارها و مساهماتها وفق متطلبات الجزائر الجديدة خاصة بعد رفض الشعب لها خلال الحراك الشعبي و توبيخه لأدائها فالجزائر الجديدة التي ثار شعبها على الفساد تطالب بأحزاب سياسية فاعلة وفعالة تخدم المصلحة العامة ولا تركب موجة الحكم والسلطة لتحقيق مصالحها الخاصة والضيقة و تقدم للشعب الوعود الكاذبة والأوهام خلال الحملات الانتخابية من أن ترقى حقا إلى مرتبة الأحزاب الفاعلة و الفعالة ذات التأثير العميق في الحياة السياسة بعيدا كل البعد عن ممارسات طبعت ممثلي تلك الأحزاب في البرلمان و المواعيد الانتخابية المختلفة و جزائر الديمقراطية التشاركية الجديدة بحاجة إلى أحزاب و تكتلات حزبية سياسية حقيقية للتكفل بمطالب المواطنين .