ماذا يعني محاربة تصنيف مواطن من الدرجة الأولى و آخر من الدرجة الثانية و ربما ثالث خارج مجال التصنيف تماما ؟ ، بمنطق النواميس الكونية و القوانين الاجتماعية المنظمة لسيرورة و صيرورة الحياة البشرية منذ نشأتها فإن المساواة المطلقة مستحيلة فهناك صفات جبلية كالقوة البنيوية تتفارق من شخص إلى آخر يضاف إليها الجمال و الذكاء و الدهاء و قائمة غير متناهية من الشمائل الموروثة و المكتسبة كما أن المكانة الاجتماعية و المقدرات المالية تختلف و الغنى و الفقر قضبان متوازنان تسير فوقهما قاطرة الحياة ، و عليه فإن المقصود بالقضاء على التصنيف المقيت لمواطن من الدرجة الأولى و الثانية ينحصر في معنى و مبنى منظومة الدولة الحديثة المشيدة على أسس المواطنة و المساواة في الحقوق و الواجبات بغض النظر عن اختلاف اللسان أو العرق أو الديانة أو الانتماء السياسي و التوجه الإديولوجي أو التواجد الجغرافي فلا فرق بين ابن العاصمة أو وهران أو تيسمسيلت أو تمنراست فكلهم جزائريون لهم الحق في السكن و النقل و التعليم و الصحة و الأمن و الاستفادة من مشاريع الدولة التنموية على قدم المساواة و هو ما لم يكن محققا للأسف الشديد في عقود خلت و تكفي صور التلاميذ المنحنية ظهورهم بحمولة الحقائب و بثياب رثة و أحذية ممزقة و وجوه غادرت تقاسيمها فرحة البراءة ، يقطعون يوميا كيلومترات عدة للوصول إلى المدرسة متحدين السيول و الأوحال و البرد و الحيوانات المفترسة و شذاذ الآفاق و أننا في القرون الوسطى و كأن الجزائر لا زالت تحت نير الاستدمار . إن المساواة التي ينشدها الجزائريون و نحن نضع أولى لبنات الجزائر الجديدة أن تكون قيمة المواطن و حقه في العيش الكريم العمود الفقري لمنظومة الحكم و أن تشمل خارطة التنمية كل شبر على تراب هذه الأرض المباركة من شمالها إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها مع الأخذ بمنطق الحاجات و الأوليات فالذي تنعدم لديه أدنى شروط الحياة ليس كمن يأمل في توفرالكماليات .