تستعد الجزائر لإحياء الذكرى الثانية لانطلاق الحراك الشعبي الذي بدأ يومه الأول في 22 فبراير 2019 بعد صلاة الجمعة , استجابة لدعوة من جهة مجهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي , و تمثل في خروج مسيرات شعبية في معظم ولايات الوطن للتعبير عن رفض ترشح الرئيس السابق لعهدة خامسة , و ما فتئ الحضور في هذه المسيرات التى تنظم كل يوم جمعة أن تزايد و تكثف بمرور الوقت , مع رفع سقف المطالب الذي بلغ أقصاه خلال الجمعة السادسة بالدعوة إلى التغيير الجذري لنظام الحكم . و قد سايرت قيادة الجيش الوطني الشعبي المطالب الشعبية , لكن في إطار أحكام الدستور , و عبر المسار الانتخابي الذي توج بانتخابات رئاسية جرت في 12 ديسمبر 2019 و فاز فيها السيد عبد المجيد تبون الذي كان من بين خمسة مترشحين تنافسوا على المنصب . و قد قرر رئيس الجمهورية المنتخب, تخليد الحراك الشعبي المبارك, بإعلان يوم 22 فبراير من كل سنة «يوما وطنيا للأخوة و التلاحم بين الشعب و جيشه من أجل الديمقراطية», كما نص في حينه بيان لرئاسة الجمهورية. و كان السيد تبون قد أوضح للإعلاميين في هذا الشأن أن: «يوم 22 فبراير يخلد الهبة التاريخية للشعب في الثاني و العشرين من فبراير 2019, و يحتفل به عبر جميع التراب الوطني من خلال تظاهرات و أنشطة تعزز أواصر الأخوة و اللحمة الوطنية, و ترسخ روح التضامن بين الشعب و جيشه من أجل الديمقراطية». الهبّة التي جنّبت الشعب أزمة سياسية و لعله القرار الأنسب للإبقاء على الطابع الشعبي للحراك الذي حظي أيضا بالدسترة خلال التعديل الأخير, و ذلك لما تمخض عنه من نتائج لم تتوقعها حتى الجهات (المجهولة)التي دعت إليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي - و لأغراض مشبوهة دون شك - , و إذا به يحرر الشعب من أزمة سياسية, كادت تعصف بأسس الدولة الوطنية , وينجح بمرافقة مؤسسة الجيش في خطوات و مراحل التغيير السلس و السلمي لنظام الحكم ,و لعله من باب التذكير استعراض أهم المطالب التي تحققت بضغط المسيرات الأسبوعية لاسيما خلال السنة الأولى من الخرجات الأسبوعية. و من أجل ذلك سنعود إلى الوراء بحوالي أسبوعين قبل بدء الحراك , و بالضبط يوم 10 فبراير , فهو اليوم الذي أعلن فيه الرئيس السابق بوتفليقة ترشحه لعهدة رئاسية خامسة , و في 22 من نفس الشهر انطلق الحراك الشعبي رفضا للعهدة الخامسة , و التحقت به مختلف الفئات النخبوية تدريجيا منادية بذات المطلب , بعد إيداع ملف الترشح لدى المجلس الدستوري في 2 مارس , مباشرة بعد الجمعة الثانية للحراك , تعهد الرئيس السابق في رسالة إلى الأمة بعدم إكمال العهدة الخامسة و تنظيم رئاسيات مسبقة في غضون سنة تحدد موعدها ندوة وطنية جامعة. غير أن هذه الخطوة لم تقنع المتظاهرين و استمروا في مطالبتهم برفض الترشح للعهدة الخامسة , و هو ما تحقق بعد الجمعة الثالثة , من خلال إعلان الرئيس السابق عن عدوله عن الترشح و تأجيله الرئاسيات التي كانت مقررة في 18 أفريل , وقدم الوزير الأول استقالة حكومته , و أندرج كل ذلك ضمن الاستجابة لمطالب الشعب .غير أن الحراك استمر بزخم و حشد أكبر في جمعة رابعة رافضا تمديد العهدة الرابعة كما نعتها المتظاهرون و هو المطلب الذي ارتفع سقفه خلال الجمعتين الخامسة و السادسة و تلخص في شعار «ارحلوا كلكم»(تتنحاو قاع), و كان رد فعل السلطة تعيين وزير أول جديد و استحداث منصب نائب وزير أول , قبل الإعلان عن تشكيلة الحكومة الانتقالية , و إعلان الرئاسة أن الرئيس السابق سيستقيل قبل انتهاء عهدته الرئاسية في 28 أفريل . استقالة و الحراك مستمر و مباشرة بعد دعوة قائد أركان الجيش- رحمة الله عليه- إلى «التطبيق الفوري للحل الدستوري « الذي يتيح عزل الرئيس , أبلغ الرئيس السابق المجلسَ الدستوري باستقالته ابتداء من يوم 2 أفريل .غير أن الحراك الشعبي استمر بعد ذلك مع تفاوت في أعداد المشاركين و عدد الولايات مطالبا برحيل رموز النظام و محاربة الفساد , حيث تجاوبت السلطة جزئيا مع هذه المطالب باستقالة رئيس المجلس الدستوري و تعويضه بعضو منتخب من تشكيلته و استقالة رئيس المجلس الشعبي الوطني , و شرع القضاء في فتح كثير من الملفات المنسوبة إلى الفساد و توقيف رجال أعمال ، مسؤولين سامين في الدولة و ضباط في الجيش , المشتبه فيهم في مثل هذه القضايا و تمت إجراءات رفع الحصانة عن مسؤولين و منتخبين آخرين ,و تم تشكيل لجنة مستقلة لتنظيم و مراقبة الانتخابات الرئاسية, و هو الاستحقاق الذي جرى -رغم انقسام موقف الشارع حوله- , في موعده بمرافقة المؤسسة العسكرية , و أسفر عن رئيس منتخب, تعهد بتحقيق مطالب الحراك الشعبي المتبقية و في مقدمتها تعديل الدستور, بما يتيح مواصلة مسار التغيير الجذري لنظام الحكم, لكن تحت سقف الثوابت الوطنية المكرسة للوحدة و الهوية الوطنيتين. و لعله السقف الذي أراد بعض المندسين في صفوف الحراك إزالته؟ و لا شك أن أصحاب مثل هذا التوجه هم الذين روجوا لمقولة «لا شيء تحقق من مطالب الحراك»؟ و هؤلاء يحفظ توجههم و لا يقاس عليه , شريطة ألا يستغل لاختراق الحراك من الداخل أو من الخارج ,الخطر الذي ازدادت حدته منذ الجمعة ال18 عندما اخترق الحراك من قبل حاملي الرايات غير الوطنية و الشعارات المناوئة لمؤسسة الجيش الوطني الشعبي و الرافضة للمسار الديمقراطي و الانتخابي و نتائجه , و الداعية إلى مواصلة مسيرات الحراك في نسخته «غير الأصيلة» خدمة لأجندات مشبوهة , و هي الانحرافات التي توجب على الجميع تحمل مسؤولياتهم تجاهها, كونها تتنافى و مطالب إقامة الجمهورية الجديدة, و في مقدمتها التشمير عن السواعد و الانهماك في العمل و خاصة في أوقاته القانونية , وعدم استغلال أي ظرف للتهرب من أدائه و تقاضي أجرته ؟ لأنه من يريد التغيير- و هو مطلب شعبي - عليه أن يبدأ بتغيير ما بنفسه , و ذلك هو الحراك الأكبر , الذي على الجزائريين خوضه في ميادين العمل بعد الحراك الأصغر, الذي استطاع أن يغير نظام الحكم , لكنه لم يغير الخريطة الحزبية التي تطعمت باعتماد عدد من الأحزاب الجديدة , التي ظلت بعيدة عن اهتمام و دعم الحراك , الذي همش الأحزاب بدلا من استهدافها بحراك داخلي يبعث فيها من جديد روح النضال. أ ب