يحظى موضوع العنف بشكل عام والعنف المبني على النوع الإجتماعي بشكل خاص باهتمام واسع سواء على مستوى الدراسات السياسية أو الاجتماعية أو النفسية والاقتصادية، وتم الحديث عنه منذ فترات طويلة وبكافة المراحل الزمنية والتاريخية. فالعنف ظاهرة اجتماعية عالمية تجاوزت الحدود الجغرافية والفوارق الطبقية والخصوصيات الثقافية والحضارية التي تعاني منها جميع المجتمعات، بغض النظر عن مستوياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فعند إلقاء نظرة على بعض ميكانيزمات الموروث الثقافي الغربي وتأثيراته على قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي، نجد أن الامبراطوريات الغربية لم تخرج من منطق الاقتصاد السياسي، أي سلعية المرأة المستعبدة باعتبارها في منزلة سائر الأموال من الخيل والدواب والأرض، وبالتالي تم ادماجها القسري في الخارطة المجتمعية داخل وخارج المنزل بشكل واسع، من مصادر إنتاجها المقبولة في التشريعات السائدة: نهب المرأة السلعة أو سبيها في الحروب، تناولها وتبادلها في التجارة، وتناقلها بالإرث. تقدر لجنة حقوق المرأة في البرلمان الأوروبي عدد النساء اللاتي يدخلن أوروبا بغرض الاتجار الجنسي بنصف مليون إمرأة، أما الثورة الصناعية فكانت في انطلاقتها ذكورية، وقد دفعت أولى النساء المدافعات عن كرامة المرأة وحقوقها ثمنا باهظا لكتاباتهن أو ممارساتهن، شمل العزل والسجن والقتل، فحتى الثورة الفرنسية لم تحتمل كاتبة « إعلان حقوق المرأة والمواطنة» (أولمب دي غوج) التي أعدمت في العام 1793، لكن طغيان الفردية المتسرع على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وحروب الرجال سمحا بنشوء حركة مدنية واسعة للدفاع عن حقوق النساء، لقد دخلن سوق العمل بوصفهن قوة عمل ذهنية وفيزيائية. ويرى بيير بورديو أن العنف نوعان: عنف فيزيائي يكون بإلحاق الضرر بالآخرين جسديا وماديا وعضويا، وعنف رمزي مهذب يكون بواسطة اللغة، والهيمنة، والإيديولوجيات السائدة، والأفكار المتداولة. ويكون أيضا عن طريق السب، والقذف، والشتم، والدين، والإعلام، والعنف الذهني. إن العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية لا ينجو منها أي من المجتمعات، سواء في الدول النامية أو المتقدمة أو الأقل نموا، وقد سجلت الأممالمتحدة أن النسبة تتراوح من 15% في اليابان، إلى 71% في إثيوبيا، ففي بلد مثل غواتيمالا تقتل امرأتان يوميا، بينما تقتل في الهند نحو 8000 امرأة لأسباب تتعلق بالمهر، و66% من المقتولات في المكسيك وقعن ضحايا لعلاقات عاطفية، كما أن 50% من نسبة الاعتداءات الجنسية في العالم تتعلق بفتيات دون سن 16 سنة، وأن 30% من الفتيات كانت تجاربهن الجنسية الأولى عن طريق العنف أو الفرض أو الاغتصاب (WHO, 2017). وتشير التقارير إلى زيادة في مستويات العنف ضد النساء في فترة جائحة كورونا، حيث تشير البيانات المبكرة إلى أن خطوط المساعدة في سنغافورة وقبرص قد سجلت زيادة في المكالمات بنسبة تزيد عن 30 في المائة، وأبلغ في أستراليا 40 في المائة من عمال الخطوط الأمامية في نيو ساوث ويلز عن طلبات أكثر للمساعدة ضد العنف. وزادت حالات العنف المنزلي في فرنسا بنسبة 30 في المائة منذ الإغلاق في 17 آذار/مارس، وازدادت نداءات الطوارئ للعنف المنزلي بنسبة 25 في المائة في الأرجنتين منذ الإغلاق في 20 آذار/مارس. في المملكة المتحدة، زادت المكالمات والرسائل الإلكترونية وزيارات الموقع الإلكتروني لمنظمة ريسبكت، المؤسسة الخيرية الوطنية المعنية بالعنف المنزلي، بنسبة 97 في المائة و 185 في المائة و 581 في المائة على التوالي. وقُتلت 14 امرأة وطفلين في البلاد في الأسابيع الثلاثة الأولى من عمليات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19.