أكّد عبد المجيد شيخي مستشار رئيس الجمهورية المكلف بملف الذاكرة الوطنية بوهران، أن ملف الذاكرة سيعطي الفرصة لأبنائنا لاكتشاف ذاتهم. ودعا على هامش الندوة الجهوية حول الذاكرة الوطنية بوهران إلى تكثيف الجهود البحثية في الذاكرة والتاريخ حتى نعطي الفرصة للشباب لمعرفة تاريخ بلدهم والاعتزاز بوطنهم، وانفردت جريدة «الجمهورية» بهذا الحوار حول عدة قضايا تصب في هذا الإطار: - الجمهورية: ما هو الهدف من هذه الندوة الجهوية الخاصة بالذاكرة الوطنية؟ ^ المستشار عبد المجيد شيخي: الهدف من هذه الندوة الأولى التي احتضنتها ولاية وهران، هو توزيع البرنامج الخاص بالذاكرة الوطنية على كل القطاعات المعنية بالذاكرة، وستتلوها ندوات أخرى، وذلك لأخذ رأي الأخوة المشرفين على هذه القطاعات لاستكمال أبعاد الموضوع من كل جوانبه. والموضوع الرئيسي هو إحياء الذاكرة وتنميتها وترسيخها في أذهان الأجيال الصاعدة، فنحن لا نريد أن نعود إلى الماضي٫ بل ننطلق من ماضينا لنتقدم في بناء حاضرنا مستقبلنا على أساس متين وأصيل بناء على تاريخنا ومرجعياته وأبعاد هويتنا، هذا هو الهدف وسوف نأخذ آراء وأفكار الجميع، بل نحن ننتظر اقتراحات أكثر حتى نستكمل وضع البرنامج النهائي الذي سيوزع بعد استكماله على كل المواطنين ليعرفون ماذا نريد وكيف نحققه. - الجمهورية: كيف يمكن إعادة مكانة الذاكرة؟ ^ المستشار عبد المجيد شيخي: نحن نعمل على إعادة الذاكرة لمكانتها الحقيقية، ونعطيها الحجم الذي تستحقه، فعلى سبيل المثال عندما يقول المجاهد لابنه: أنا كنت في سنك عملت كذا وكذا، من أجل أن يتفاخر عليه ويخفض من عزيمته، بل يجب أنا يحكي له ماضيه ليرفع من عزيمته ويعطيه إرادة من أجل أن يستمر أخذا بتجارب أسلافه. - الجمهورية: كيف يمكن اليوم كتابة التاريخ وأغلب المجاهدين من الأسرة الثورية قد توفوا ورحلت معهم شهادات هامة؟ ^ المستشار عبد المجيد شيخي: يمكن أن نكتبها عن طريق جمع شهادات المجاهدين الذين لازالوا على قيد الحياة والاعتماد على الوثائق، لأن الذاكرة ليست تاريخ، لكنها رافد من روافد التاريخ، والمؤرخون لا يحبون أن يخوضوا في مجال الذاكرة، لأنهم يعتبرون الوثيقة هي الأساس، لكن يمكن أن أعطيك أمثلة بأن الوثائق في كثير من الأحيان تكذب، لأنها حررت من قبل الموظفين، وحررت في ظروف معينة، فتقرير «بابون» حول مظاهرات 17 أكتوبر 1961 يقول أن هناك 10 قتلى وحوالي 40 جريحا قد سقطوا في مجازر باريس، وتقرير جبهة التحرير الوطني يقول بأنه يوجد حوالي 300 قتيل وعدد الجرحى غير محدد، فماذا نصدق، أكيد نصدق تقرير جبهة التحرير لأنه عندي من المعلومات ما يؤيد هذا الرقم، وهو ما كتبته الصحافة العالمية في ذلك الوقت، من خلال حسابات و مقارنات، لكن لا يتكلمون على عدد المبعدين من فرنسا إلى الجزائر بعد تلك المظاهرات وعددهم ما بين 11 و 12 ألف، وعن الكثير ممن تم رميهم من الطائرات في البحر ولا يوجد عندنا أسماؤهم، فهذه المسائل يجب على المؤرخ أن يكون متفطنا ويأخذ من المصادر التي يكون لها شيء من المصداقية، فالوثيقة ليست دائما صادقة. - الجمهورية: هل تحمل شهادات من بقوا على قيد الحياة المصداقية اللازمة؟ ^ المستشار عبد المجيد شيخي: ليست صحيحة تماما، فعلي سبيل المثال هناك عدة أشخاص حضروا في حدث واحد وكل واحد يراه من وجهة نظره، لكن المؤرخ سيقارن هذه الآراء وهذه المعلومات، ويرى ما هو قريب من المنطق، مثلا مجاهدان قد أطلقا الرصاص في نفس اللحظة على عسكري فرنسي، فالضحية موجودة قد تلقت رصاصة واحدة، والسؤال من يكون صاحب هذه الرصاصة، فالخلاف موجود والواقع أن الضحية ماتت وكل واحد يقول أنا من قتله، يا أخي تباهى كما أردت، لكن ما يهمني هي النتيجة وأننا في معركة قتلنا فيها عسكريا فرنسيا، يمكن أن تفخر لكن المؤرخ يجب أن يؤرخ المعلومة، أنا منذ حوالي 20 سنة وأنا أقول للمؤرخين والمهتمين بالتاريخ يا جماعة لا تكتبوا عن المعارك، لكن أكتبوا عن نتائجها، هل كان لها أثر في النتيجة العامة وهل أوصلتنا إلى الاستقلال أو لا، أما المعركة فهي مواجهة بين الجيش الفرنسي والمجاهدين لأن تفاصيل المعارك ذهبت مع الناس الذين شاركوا فيها وماتوا، وأولادنا لا يسمعون هذا التفاصيل، إذن الأمر قد انتهى. يجب أن ننظر للثورة ليس على أساس أن المعركة الفلانية شارك بها هذا أو ذاك، لأنها ستذهب مع الزمن، لكن الأفكار والمواقف والنتيجة هي التي تبقى، قد يقول البعض أن المقاومات الشعبية لم تنجح والسؤال المطروح هو لماذا؟ لم تنجح لأنها كان يطبق عليها المبدأ الفقهي رد صولة الصائل، عندما يصل الجيش الفرنسي إلى دوارنا فأنا أقاومه، وعندما يبتعد عن دوارنا فأنا لست معنيا بمحاربته، فلم تكن هناك قيادة موحدة، الثورة التي كان عندها تواجد هي ثورة الأبيض سيدي الشيخ بقيادة الشيخ بوعمامة، التي توسعت ولم تعتمد على قيادة واحدة وهذا فيه خلاف كبير بين المؤرخين. - الجمهورية: ماذا عن المجاهدين الذين تم نفيهم مع عائلاتهم خلال الفترة الاستعمارية؟ المستشار عبد المجيد شيخي: هناك فئات من الجزائريين تم إبعادهم ونفيهم من هذا الوطن، فقد سجنوهم وحرموهم من الحياة في وطنهم، فلقد تم نفيهم من الجزائر خلال عمليات بدأت في سنة 1840، واستمرت لمدة طويلة، والآن أصبح آبنائ وأحفاد هؤلاء المنفيين من الجيل الثالث أو الرابع والخامس، لكن رغم الفترة الزمنية الطويلة، مازال هؤلاء الأولاد يحنون إلى هذا الوطن. والملاحظ أننا نتكلم دائما عن الرجال ولا نتكلم عن النساء، خاصة وفيهن المقاتلات، المناضلات المجاهدات، وأبعدن لأنهن وقعن في الأسر، والهدف الذي كانت ترمي إليه السلطات الفرنسية قد حققته وهو محاولة إفراغ البلد من أهله، ولقد قاموا بهذه التجربة ورؤوا أنها ممكن أن تنجح. - الجمهورية: هل تعلمون إلى أي بلد تم نفيهم؟ ^ المستشار عبد المجيد شيخي: تم نفيهم إلى عدة أماكن من العالم، هناك من تم نفيهم إلى كاليدونيا الجديدة، وكيان عاصمة غوايانا الفرنسية في أمريكا الجنوبية، وكذلك إلى بعض الجزر القريبة من فرنسا كجزيرة سانت مارغريت التي تقابل مارسيليا عن بعد 15 كيلومترا، حيث توجد هناك مقبرة خاصة بالمنفيين، والقبور لا تحمل أسماء بل تحمل هلال فقط، والذي كتبت الأيدي الخبيثة على الشواهد «إلى الأخوة المسلمين الذين ماتوا من أجل فرنسا»، لكن هؤلاء ماتوا من أجل الجزائر وليس من أجل فرنسا. - الجمهورية: ماذا تحركات السلطات الجزائرية؟ ^ المستشار عبد المجيد شيخي: نحن نعمل على الأقل من أجل تمتين الروابط مع هؤلاء كي يبقوا في اتصال مع هذا الوطن، فلا يمكن القول لهؤلاء المتواجدين سواء في كاليدونيا الجديدة أو غيرها من الأماكن أنهم لن يقبلوا في الجزائر. - الجمهورية: ماذا يمكن للمعالم السياحية التعريف بالذاكرة؟ ^ المستشار عبد المجيد شيخي: المعالم التاريخية هي التي تعرف الناس بتاريخهم وتحفظه، فأقدم جامعة في العالم ربما توجد في الجزائر، فهي بطولها وعرضها أرض العلم ولن تكون صحراء أبدا، فلقد احتضنت عدة حواضر قديمة منها بجاية، من أجل ذلك حاول الاستعمار الإسباني الاستيلاء عليها لأنها كانت تضم في قلعتها خرائط العالم الجديد-أمريكا-، قبل أن يكتشفها كريستوف كولومبوس، هذه المسائل يجب أن تصل إلى الشباب من أجل أن يعتز بهذا البلد، ونعتز بما فعله المجاهدون والشهداء من أجل هذا الوطن. وتاريخ الجزائر كله علينا أن نثمنه ونقدمه إلى أبنائنا في أحلى حلة، ويجب أخذ العبر والدروس منه.