يعتبر قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين أو أكثر، من الخطوات الصعبة التي يمكن أن تتخذها أي دولة إزاء أخرى، خاصة إذا ما تعلق الأمر بدولتين تربطهما أواصر الدم والجوار والتاريخ والمصير المشترك مثل المغرب والجزائر. لكن من المتعارف عليه أن قطع هذا النوع من العلاقات هو إجراء عقابي، يتم اللجوء إليه في حال إخلال أحد الطرفين بالإتفاقيات الموقعة بين الدولتين، وعادة ما يتم تطبيقه بعد وصول التوتر إلى أقصى درجاته وتأزم الأوضاع، الذي يصاحبه إنعدام أي سبيل للحوار أو التسوية السلمية للنزاع أو الأزمة، فتلجأ الدول إلى هذه الوسيلة التعبيرية السامية التي أقرتها إتفاقية فيينا، للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، منعا لتطور الإنزلاق الذي يمكن أن يصل إلى درجة إعلان الحرب. وقطع العلاقات الدبلوماسية يكون عادة بإنهاء العلاقات رفيعة المستوى بين البلدين، وذلك من خلال استدعاء السفير وكامل البعثة الدبلوماسية من البلد المعني وإغلاق مقر السفارة، وفي المقابل يتم طرد دبلوماسي الدولة الأخرى، مع منحهم مهلة من 48 ساعة إلى أسبوع لترتيب البيت، مع المحافظة على حرمة المقرات الدبلوماسية حتى في ظل القطيعة الدبلوماسية، كما تنص على ذلك اتفاقية فيينا المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية والقنصلية التي أقرتها الأممالمتحدة بين عامي 1961 و1963، التي تقنن العمل الدبلوماسي وتشترط حماية البعثات الدبلوماسية، والمحافظة على كل الإمتيازات التي يتمتع بها الدبلوماسيون من ضمنها الحصانة وحماية المقرات. كما أن قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني بالضرورة قطع العلاقات القنصلية، حيث يراعى في هذا الجانب مصالح جاليتي البلدين، الذي لن يتأتى إلا بالحفاظ على العلاقات القنصلية، التي تسند رعايتها إلى طرف ثالث، مع الإبقاء على حركة تنقل الأشخاص، حيث يسمح بسفر مواطني دولة معينة تجاه الأخرى إلا إذا صدر قرار سيادي يمنع ذلك، وهو ما أشار إليه وزير خارجيتنا رمطان لعمامرة الذي أكد بأن القنصليات الجزائرية بالمغرب ستواصل عملها الإداري. والجدير بالذكر أن قيام العلاقات الدبلوماسية كان ولا يزال من الأمور التي شجعتها وقننتها الأممالمتحدة، بإبرام إتفاقيات دولية في إطار إتفاقية فيينا، وهذا من أجل الحفاظ على الأمن والإستقرار والسلام في المنتظم الدولي، ويتم من خلالها حل أي نزاع بطريقة سلمية، ناهيك عن تحقيق التوازن المتبادل للمصالح بين الدول، وهو ما لم يتأت من التوتر الدائم بين المملكة والجزائر. فما شهدناه في الفترة الأخيرة بين البلدين لا يمت بأية صلة للأعراف والإتفاقيات الدبلوماسية، حيث وصل التصعيد المغربي إلى مداه ضد بلادنا، بداية من فضيحة «بيغاسوس» التي أثبتت تعرض مسؤولين ومواطنين جزائريين للتجسس من قبل إستخبارات مغربية بمعدات صهيونية، إلى إقدام سفير المغرب الدائم لدى هيئة الأممالمتحدة في 14 جويلية المنصرم، على توزيع مذكرة على حركة عدم الانحياز، يكرس محتواها بصفة رسمية انخراط المملكة المغربية في حملة معادية ضد الجزائر، ودعمها الظاهر والصريح لما تراه حق تقرير مصير الشعب القبائلي، وهو ما نددت به وزارة خارجيتنا معتبرة إياها بالتصرفات اللامسؤولة للمملكة، ليضاف إليها تحريض وزير الخارجية المغربي « ناصر بوريطة» للكيان الصهيوني، الذي تجرأ وزير خارجيته «يائير لابيد» على تهديد الجزائر صراحة، خلال مؤتمر صحفي عقده بمدينة الدار البيضاء في ختام زيارته للمغرب، عندما أعرب عن قلق بلاده مما وصفه بالتقارب بين دولة ايرانوالجزائر، مهاجما بلادنا على دورها في شن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الافريقي بصفة مراقب، مؤكدا أن المغرب والكيان الصهيوني يتشاركان بعض القلق بشأن دور الجزائر في المنطقة التي باتت أكثر قربا من إيران. عداء واضح وكان ختام هذه «الأفعال العدائية»، كما وصفتها الرئاسة الجزائرية، بالحرائق التي شهدتها عدة مناطق من الوطن وتضررت منها القبائل الكبرى وعلى الأخص ولاية تيزي وزو، وما أعقبها من أحداث خطيرة نتيجة جريمة القتل الشنيعة التي تعرض لها المغدور «جمال بن إسماعيل»، حيث أثبتت التحريات أن العمل تم بأياد إجرامية للحركة الإنفصالية «ماك» المدعمة من المملكة المغربية. وراعت الجزائر قبل قطع علاقتها الدبلوماسية كل الخطوات الإجرائية، التي قد تدفع المغرب إلى التراجع عن حربه «القذرة» وغير المبررة تجاهه، وذلك بتسليم وزارة خارجيتنا لرسائل إحتجاج، ثم استدعاء سفيرنا في المغرب في 18 جويلية المنصرم للتشاور، لكن وصلت في الأخير إلى قطع العلاقات، التي جاءت نتيجة المشاكل الكبيرة التي حاول المخزن توريط بلادنا فيها وأدى إلى توتر دائم في المنطقة بدل البحث عن سبل كفيلة لإقامة تكامل مغاربي. للإشارة فإن العلاقة بين المغرب والجزائر تتسم بالتوتر الدائم نتيجة التحرش المغربي بالجزائر كلما سمحت له الظروف بذلك، كما كان الحال عشية الإستقلال الوطني، فيما يسمى بحرب الرمال لسنة 1963، وخلال العشرية الدموية التي مرت بها الجزائر. كما أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها قطع العلاقات بين البلدين، حيث سبق وأن بادرت المملكة بهذا في السابع مارس 1976 ، بعد إعتراف بلادنا بقيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، ولم تستأنف هذه العلاقات إلا في 1988 بعد وساطة سعودية، لتعود إلى التوتر في 1994 بعد فرض المغرب التأشيرة على الجزائريين على خلفية تفجير فندق «أسني» في مراكش واتهام الملك الحسن الثاني للجزائر بأنها تقف وراءها، فكان رد رئيس الجمهورية الأسبق اليامين زروال بغلق الحدود البرية بين البلدين التي لم يتم إعادة فتحها إلى يومنا هذا.