كانت الذكرى، أمس، فرصة أتيحت لمن أراد تذكر رجل عظيم وقامة عالية من مهندسي ثورة التحرير المضفرة، الشهيد البطل محمد العربي بن مهيدي تغمده الله بواسع رحماته وأسكنه فسيح جناته، لحظات مشحونة بعظمة الذكرى وجلال الموقف وكثافة العبر، عاشها، رفقاء ومجاهدين وأسرة الشهيد صاحب مقولة "ارموا بالثورة للشارع يلتقطها الشعب". وأجمع أغلب الحاضرين، أمس، بمقبرة العاليا، في وقفة ترحم نظمتها جمعية مشعل الشهيد بالعاصمة، من رفقاء ومجاهدين عرفوا الشهيد، أجمعوا أن بن مهيدي لعب دورا كبيرا في التحضير للثورة المسلحة وسعى إلى إقناع الجميع بالمشاركة فيها وقال مقولته الشهيرة القوا بالثورة إلى الشارع سيحتضنها الشعب، وأصبح أول قائد للمنطقة الخامسة (وهران)، مؤكدين أن الشهيد كان من بين الذين عملوا بجد لانعقاد مؤتمر الصومام التاريخي في 20 أوت 1956، وعّين بعدها عضوا بلجنة التنسيق والتنفيذ للثورة الجزائرية (القيادة العليا للثورة)، قاد معركة الجزائر بداية سنة 1956 ونهاية 1957 إلى أن أعتقل نهاية شهر فيفري 1957 استشهد تحت التعذيب ليلة الثالث إلى الرابع من مارس 1957، بعد أن أعطى درسا في البطولة والصبر لجلاديه. مرت، خمسة وخمسون سنة على المؤامرة الشنيعة والاغتيال الجبان الذي نفذه جلادون متجردون من كل ذرة إنسانية في حق بطل هزمهم وأذلهم حتى في لحظات كتم الأنفاس وتنفيذ الجريمة الدنيئة، وسواء اعترف المجرمون بعد عقود مضت بحماقتهم، أو لم يعترفوا فإن هذا الاعتراف لن يزيح كابوس الشهيد محمد العربي بن مهيدي من يومياتهم وستبقى حماقتهم وأحقادهم التي أفرغوها في جسده الطاهر تصغرهم أمام الواقع وفي عيون التاريخ، ويبقى التاريخ شاهد على عظمة شخصية العربي بن مهيدي من خلال القيم السامية التي كان يتحلى بها ومن محامد الأخلاق وحب الوطن والاستماتة من أجله. وتجدر الإشارة إلى أن الشهيد العربي بن مهيدي هو من مواليد عام 1923 بدوار الكواهي بناحية عين مليلة وهو الابن الثاني في ترتيب الأسرة التي تتكون من ثلاثة بنات وولدين، دخل المدرسة الابتدائية الفرنسية بمسقط رأسه وبعد سنة دراسية واحدة انتقل إلى باتنة لمواصلة التعليم الابتدائي ولما تحصل على الشهادة الابتدائية عاد لأسرته التي انتقلت هي الأخرى إلى مدينة بسكرة وفيها تابع محمد العربي دراسته وقبل في قسم الإعداد للالتحاق بمدرسة قسنطينة، في عام 1939 انضم لصفوف الكشافة الإسلامية "فوج الرجاء" ببسكرة، وبعد بضعة أشهر أصبح قائد فريق الفتيان وفي عام 1942 إنضم لصفوف حزب الشعب بمكان إقامته، حيث كان كثير الاهتمام بالشؤون السياسية والوطنية، في 08 ماي 1945 كان الشهيد من بين المعتقلين ثم أفرج عنه بعد ثلاثة أسابيع قضاها في الاستنطاق والتعذيب بمركز الشرطة، عام 1947 كان من بين الشباب الأوائل الذين التحقوا بصفوف المنظمة الخاصة حيث ما لبث أن أصبح من أبرز عناصر هذا التنظيم وفي عام 1949 أصبح مسؤول الجناح العسكري بسطيف وفي نفس الوقت نائبا لرئيس أركان التنظيم السري على مستوى الشرق الجزائري الذي كان يتولاه يوم ذاك محمد بوضياف، وفي عام 1950 ارتقى إلى منصب مسؤول التنظيم بعد أن تم نقل الشهيد محمد بوضياف للعاصمة. بعد حادث مارس 1950 إختفى عن الأنظار وبعد حل المنظمة عيّن كمسؤول الدائرة الحزبية بوهران إلى 1953. وعند تكوين اللجنة الثورية للوحدة والعمل في مارس 1954أصبح الشهيد من بين عناصرها البارزين ثم عضوا فعالا في جماعة 22 التاريخية.