نشر المجاهد محمد مشاطي هذا الأسبوع مذكراته. صدرت عن منشورات الشهاب بعنوان ''مسار مناضل''، وحملت كثيرا من الحقائق المثيرة. منها ما تعلق باجتماع ال 22 ، أو ما أصبح يسمى باجتماع ال 21 بعد أن تأكد أن المرحوم الحاج بن علة لم يحضر الاجتماع. وبخصوص هذه النقطة بالذات، كتب محمد مشاطي أن أول من سمح لنفسه بالترويج لهذا الخطأ، هو المؤرخ الفرنسي ايف كوريير، الذي أورد حينما نشر الجزء الثاني من كتابه حول الثورة الجزائرية عام 1968 أن الحاج بن علة، وهو أحد الأعضاء الفاعلين في المنظمة الخاصة ''لوس'' بالغرب الجزائري، كان حاضرا يوم الاجتماع الشهير الذي جرى بسالم باي، وأصبح يسمى لاحقا باجتماع ال .22 وذكر مشاطي أنه راسل الرسميين حينها، من ألمانيا، حيث كان يشغل منصبا في سفارة الجزائر هناك، بخصوص الخطأ الذي وقع فيه كوريير، لكن لا أحد أصغى إليه. وبلغ الأمر درجة من عدم الاكتراث بالخطأ، لما نشرت أسبوعية المجاهد مقالا روجت فيه لنفس الخطأ، وظل الأمر يسير على وقع الخطأ. ومن بين الأمور التي تكشفها مذكرات مشاطي، وتتحدث عنها بإسهاب، رُحى الصراع الذي دار في دواليب حزب الشعب انتصار الحريات الديمقراطية، بخصوص الشروع في العمل المسلح الذي أقره الحزب منذ سنة ,1947 وهو العام الذي تأسست فيه المنظمة الخاصة. كما يتحدث مشاطي عن الصراعات التي دارت بين الأشخاص، ويتوقف مطولا عند الخلافات التي نشبت بين محمد بوضياف والمصاليين، وكيف أن هذا الأخير انقلب على حسين لحول الذي كان قد استدعاه من باريس للشروع في الإعداد للثورة، وتجاوز نكسة تبسة سنة 1950 التي عرفت توصل الشرطة الاستعمارية لاكتشاف أمر المنظمة الخاصة، وتوقيف مسؤولها العسكري أحمد بن بلة، ونجاة مساعده محمد بوضياف. وإذ كان حسين لحول، بصفته المسؤول السياسي للمنظمة الخاصة، ينتظر من بوضياف إخباره بأمور التنظيم الثوري، نقرأ في مذكرات مشاطي أن بوضياف تصرف بمفرده، واتخذ قرارات حاسمة دون إخبار حسين لحول، وهو ما أدى بمشاطي إلى الحديث عن ما أسماه بوقوع أول انقلاب عسكري. ويقصد انقلاب بوضياف بصفته مسؤولا عسكريا على ''لوس''، على مسؤوله السياسي حسين لحول. ويسترسل مشاطي في تناول الخلافات بين قادة الثورة، ويصر على الحديث عن إبعاد جماعة قسنطينة من الموعد الحاسم. فرغم حضور ستة عشر مناضلا من قسنطينة، في اجتماع ال21 ، إلا أن بوضياف لم يخبر أحدا منهم عن موعد اندلاع الثورة التي قامت بدون أن يكون للمسؤول عن ''لوس'' بالشرق الجزائري عبد الرحمان غراس، أي علم بذلك. كل هذه الأمور تناولها مشاطي في مذكراته، بهدوء كبير، وبرغبة ملحة في فتح أبواب النقاش والحوار، من منطلق حرية الرأي والتعبير، ولم يقصد أبدا إهانة أي كان. ولابد من الإشارة هنا أن ما يُقرأ في المذكرات ليس تاريخا علميا، بل هو مجرد أراء شخصية وذاتية، قابلة للدحض وإعادة النظر في أكثر من موقع. وهذا لا يحدث إلا بفضل دور المؤرخ الذي سوف يقرأ هذه المذكرات، ويقلبها، ويتفحص ما بين سطورها، بغرض إبراز مكامن الموضوعية فيها، ودرجة ذاتيتها. فالمؤرخ هو الوحيد القادر على الحكم إن كان بوضياف قد دبر فعلا انقلابا عسكريا. كما أنه هو الوحيد القادر على تحليل سلوكه إزاء جماعة قسنطينة، ويستفيض في الأسباب التي أدت إلى وقوع التهميش الذي تحدث عنه مشاطي. ويحلل مواقف مشاطي من مصالي الحاج، وغيرها من القضايا الشائكة التي تظهر في المذكرات، والتي لا بد أن نأخذها بتحفظ وحذر كبيرين.